نجحت الكتل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية خصوصاً في ادخال البلاد في ورشة اقرار قانون انتخاب جديد، وتمكّنت بسياسة الضغط والتفاوض في الحصول على هذا المكسب في سياق دفعها الى تأمين ما يخدم طرح اعادة تكوين السلطة.

اليوم، يمكن تخيّل سيناريو الجلسة التشريعية على الشكل التالي. سيدخل رئيس المجلس الى قاعة الهيئة العامة بعد اخباره بتأمّن النصاب القانوني والميثاقية المطلوبة بمشاركة الكتل المسيحية الرئيسة. سيمسك بري بمطرقته مفتتحا الجلسة بالأوراق الواردة، فيقف أحد نواب الكتل المسيحية من طالبي الكلام ليعتبر ان قانون الانتخابات أولوية قصوى. وبنتيجة النقاشات، ستشكّل لجنة مصغرة تعطى مهلة شهرين لإنجاز القانون.

ووفق معلومات "البلد" فإذا لم يحصل أي اتفاق على قانون الانتخاب، يصوّت في اللجان المشتركة على القوانين الانتخابية المطروحة وترفع الى الهئة العامة. اما اذا توصلت اللجنة المصغّرة الى انجاز قانون الانتخاب خلال مهلة الشهرين، تعقد الهيئة العامة الجلسة وتقرّ القانون فورا.

الأكيد ان هذه الخاتمة لم تكن لتتحقق لولاً ما برز من وحدة الموقف بين التيار والقوات، كترجمة عملية لاعلان النيات الذي وقّع بينهما في الثاني من حزيران الماضي، والذي تظهر ثماره شيئاً فشيئاً.

منذ اللحظة الأولى لم تكن هناك اي اشكالية في البنود المالية المعروضة، والعديد من بينها مرّ في المطبخ التشريعي للجنة المال والموازنة. قيل لمن يعنيهم الأمر، اعطونا ما يضمن اعادة تكوين السلطة وخذوا النصاب والميثاقية للجلسة. اما عكس ذلك فلن يمر من دون تداعيات.

فككت قنبلة امكان حصول جلسة تشريعية من دون المسيحيين. ففي معلومات "البلد"، أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بادر ليل أمس الاول لنقل اقتراحاته للمعالجة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. بعد منتصف الليل انتقل موفد العماد عون، النائب ابراهيم كنعان إلى معراب. حيث استمرت المفاوضات حتى ساعات متأخرة. فجر اليوم، كانت الحصيلة في الرابية. ففتحت الخطوط الهاتفية مجدداً بين مقر الجنرال والرياض حيث الوزير جبران باسيل، كما مع عين التينة وبكركي ومعراب مجدداً...

بعد الظهر، وفيما كان الحريري يجسد تعهده حول مشروع قانون الجنسية، نضج الاتفاق الشامل... وبحسب المعلومات، فهو يتضمن إقرار قانون الجنسية كما أحيل إلى الهيئة العامة.، وإقرار قانون تحرير أموال البلديات، الذي قدمه عون سنة 2013 بلا حسومات ولا سوكلين. ما يؤمن لصناديق تنميتها نحو ألفي مليار ليرة. وإقرار سلسلة القوانين المالية الضرورية، والتي تحوز على إجماع القوى السياسية. والاتفاق على سحب توصية سابقة للمجلس، حول عدم أولوية قانون الانتخاب. وذلك بناء على طلب ممثلي تكتل التغيير والإصلاح.

وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى أن حركة الاتصالات والزيارات على خط الرابية بكركي معراب، والدور الذي لعبه حزب الله، وانتهاء بالزيارة التي قام بها النائب ابراهيم كنعان الى عين التينة عصر امس موفداً من العماد عون، افضت الى التفاهم-المخرج.

واتت سلّة الحل مدعّمة بالضمانة التي اعطيت للكتل المسيحية من خلال القرار الذي عبّر عنه رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي التزم بعدم حضور جلسة لا يكون على جدول اعمالها قانون الانتخابات لمناقشته وإقراراه.

وما يمكن اعتباره مكسباً ايضاً، هو تأمين التوافق السياسي لتمرير البند 25 من جدول الأعمال المتعلّق بتحديد شروط استعادة الجنسية اللبنانية. وفي هذا السياق، فاللقاءات الثلاثة التي عقدت في قاعة لجنة المال بمشاركة نواب التيار والقوات والكتائب والمستقلين، افضت الى التوافق التام على صيغة اقتراح القانون، وتأمين المظلّة السياسية التي ستسمح بالتصويت الايجابي عليه واقراره.

وفي غمرة ازمة النفايات وغياب الحلول الحكومية حتى اللحظة، علم أن الغطاء السياسي تأمّن لإقرار اقتراح القانون المتعلّق بتحرير أموال البلديات من عائدات الخليوي من 1994 لليوم من دون حسومات، وذلك بالتصديق على البند 38 المقدّم من العماد ميشال عون في العام 2012، والرامي الى اضافة نص الى البند 2 من المادة 55 من قانون الضريبة على القيمة المضافة. والتقدّم على هذا الصعيد تمثّل بالاتفاق على شطب الحسومات التي كانت تصل الى نسب كبيرة لصالح شركات النفايات.

بناء على ما تقدّم يمكن القول إن بري كسب عقد الجلسة، والكتل المسيحية كسبت ورشة قانون الانتخاب واستعادة الجنسية واموال البلديات. وهو ما ليس بالامر السهل، لاسيما أن الوعود التي قطعت سابقاً عشية التمديدين الاول والثاني لم تصدق، وابقي على قانون الانتخاب اسير اللاارادة السياسية. في الوقت الذي نجحت الضغوط والتواصل في آن، في تعبيد الطريق امام اعادة القانون الى دائرة البحث والاقرار، بعدما وضع في الثلاجة طويلاً. اما حزب الكتائب، فبقي خارج دائرة الحلول والقرار، متمسكاً برفض التشريع في ظل غياب رئيس للجمهورية.