العمليات الصعبة في الاسبوعين الاخيرين وعلى رأسها الهجمة الإرهابية الدموية في باريس أول أمس هي تأثير ما هو موضوع الآن في كفة سوريا والعراق. المنظمات الإرهابية السنية المتطرفة، الدولة الإسلامية (داعش)، القاعدة وأتباعها المختلفون، يوجدون الآن في هاتين الدولتين ويتعرضون للهجوم من عدة اتجاهات.

رغم أن الخسائر التي تكبدتها التنظيمات السنية في سوريا كانت هامشية، إلا أنها تواجه، في نفس الوقت، عدة أعداء. ليس فقط نظام الاسد بل ايضا التحالف الدولي لعدة دول بقيادة الولايات المتحدة التي تقصف أهداف «داعش» في سوريا والعراق من الجو، تحالف آخر بقيادة روسيا يقصف من الجو معظم التنظيمات المتمردة في سوريا ويحاول الآن المبادرة إلى عملية برية في شمال الدولة وأخيرا المليشيات الكردية المسلحة التي حظيت في الايام الاخيرة بانتصار محلي مهم في منطقة سنجار في شمال العراق.

في هذه الظروف يبدو أن جميع الذين يتدخلون يضاعفون مبلغ الرهان الخاص بهم. «داعش» وشركاؤه ضربوا قبل ذلك في سيناء حينما فجر طائرة الركاب الروسية في 31 تشرين الاول وبعد ذلك العمليات الانتحارية في الضاحية الجنوبية في بيروت حيث يوجد الحي الشيعي في يوم الخميس الماضي وفي اليوم التالي في باريس. إن هذه حملة انتقام وردع ضد أعداء الإرهاب السني، حيث أن الهجوم في باريس قد أخذ بُعدا جديدة للمرة الاولى. حتى الآن ركز رؤساء «داعش» خلافا لخصومهم في القاعدة، على الحرب في الشرق الاوسط في محاولة لاسقاط الانظمة هناك وعمليات الذبح المنهجية ضد أعدائهم. عندما حدثت عمليات في الغرب ونسبت ل»داعش» كان ذلك الهاما عاما أعطاه التنظيم لـ «ذئاب وحيدة» الذين هم مخربون عملوا بتأثير من «داعش».

في هذه المرة، التي قد تكون الاولى، يعمل «داعش» كمنظمة جهادية عالمية تضرب بشكل مخطط ومحسوب أهدافا في الغرب. اضافة إلى العملية في سيناء، حيث بلغ عدد الاوروبيين الذين قتلوا خلال اسبوعين 350 شخصا. العمليات الصعبة السابقة على ارض فرنسا والتي حدثت في كانون الثاني في مكاتب المجلة «شارلي إبدو» وسوبرماركت في باريس كانت من فعل خلية صغيرة واحدة عملت بتوجيه من القاعدة في اليمن وجرت وراءها عملية تقليد من شخص أعلن عن تضامنه مع «داعش».

في المقابل فإن الهجوم الذي حدث أول أمس في يوم الجمعة، كان عملية منسقة ضد 7 أهداف على الأقل. ويتوقع أن التحضير لها استمر اشهر طويلة من اجل جمع المعلومات عن الاهداف، والحصول على السلاح والتدرب على استخدامه. هذا يُذكر بالهجوم الإرهابي في مومباي في الهند في 2008 (حيث تم استهداف كنيس يهودي في المدينة) وعمليات القاعدة الصعبة في مدريد في 2004 وبعدها بسنة في لندن. مثل العملية في المتحف اليهودي في بروكسل في العام الماضي والعمليات في طولوز في 2012، هذه المرة ايضا يتعلق الامر بما يحدث في العالم العربي ولا سيما الحرب في سوريا. من خلف معظم العمليات في أوروبا، سواء كانت للقاعدة أو «داعش»، فان الرسالة واحدة تقريبا: لن يكون لمواطني الغرب مكان آمن في الساحة البيتية وسيدفعون ثمن تدخل حكوماتهم فيما يحدث في الشرق الاوسط.

أكثر من 500 مواطن فرنسي يشاركون الآن في الحرب في سوريا اضافة إلى 250 عادوا من المعارك. الشخص الذي وقف حتى الآونة الاخيرة على رأس أحد الاذرع الاستخبارية الفرنسية قال في الشهر الماضي في لقاء له مع مجموعة إسرائيلية إن الجهاديين الذين يعودون إلى أوروبا هم «الخائفون، الذين لم يتجرأوا على الاستمرار في المشاركة في المعارك في سوريا. التنظيمات تعيدهم إلى البيت وتطلب منهم تنفيذ العمليات في أوروبا». حقيقة أن الفرنسيين مثل دول اوروبية اخرى، يدركون حجم الخطر منذ سنوات، يبرز أكثر الفشل الاستخباري الفظيع الذي مكّن من هذا الهجوم أول أمس. عملية مركبة لا يجب أن تنجح بهذا القدر تحت أنف الاجهزة الاستخبارية الفرنسية. مجموعة العمليات في باريس منذ كانون الثاني أخطر من كل ما تعرضت له إسرائيل من الإرهاب الفلسطيني في السنوات الاخيرة.

إن خلفية الإرهابيين الذين عملوا في باريس تتضح أكثر فأكثر مع مرور الوقت. كان بينهم مواطن سوري، مصري وثلاثة مسلمين يحملون الجنسية البلجيكية. وفي الايام القريبة ستتم ملاحقة من ساعدوا في العملية في انحاء أوروبا. يمكن أن تتطور الامور، كما حدث بعد عمليات طولوز وقضية شارلي إبدو، باتجاه تبادل اطلاق النار مع الشرطة المحلية. وقد هدد «داعش» بعمليات اخرى، مما يستوجب زيادة الأمن، ايضا في المؤتمرات التي ثبت أنه يمكن الوصول اليها في العالم الثالث على الأقل، كما حدث للطائرة التي انطلقت من شرم الشيخ. وحقيقة أن الهجوم الحالي لم يشمل أهداف يهودية، لا يجب أن تبعث على الارتياح في هذا السياق. فرنسا تستمر في وضع آلاف رجال الشرطة والجنود للدفاع عن المؤسسات العامة والمدارس اليهودية منذ عمليات كانون الثاني.

ما زالت أوروبا مصدومة من احداث باريس. ومثل موجة اللاجئين من الشرق الاوسط التي انتشرت على شواطيء القارة بشكل متزايد منذ الصيف الاخير، فان العمليات تؤكد غياب القدرة على الفصل بين ما يحدث هنا وما يحدث هناك. ومثلما حدث بعد شارلي إبدو، فان الجدل سيزداد حول الاولويات: ما هو الأهم؟ الدفاع عن الخصوصية أم واجب الدول للدفاع عن مواطنيها في مواجهة الإرهاب؟ يمكن الفرض أن الكفة سترجح باتجاه منح صلاحيات واسعة للاجهزة الأمنية كما حدث في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 ايلول 2001 (الامر الذي تم كبحه بعد ما كشفه ادوارد سنودن قبل عامين). وفي نفس الوقت سيزداد العداء تجاه المهاجرين المسلمين في أوروبا ولا سيما اللاجئين الذين يحاولون انقاذ أنفسهم من فظاعة الحروب في سوريا والعراق.

وكما يحدث في العادة فان عدة جهات مشكوك في أمرها تحاول إبداء التضامن على خلفية هذه الكوارث. حزب الله، بعد العمليات في الضاحية الجنوبية في يوم الخميس، اتهم أعداءه بالجرائم البربرية ضد الانسانية دون التوقف للحظة عند سخرية القدر بأن التنظيم هو الذي جلب للعالم العمليات الانتحارية في المرحلة العصرية. أما حماس ونظام الاسد فقد نشرا بيانات التضامن والصدمة في أعقاب العمليات في فرنسا وسارعا إلى المقارنة بين المجزرة هناك والجنازات لديهما على أيدي إسرائيل والمتمردين في سوريا.

سارع متحدثون إسرائيليون إلى إبراز التشابه بين العمليات في باريس وفي إسرائيل. ومشكوك فيه أن يرى الاوروبيون الامر على هذا النحو، رغم كل ما عانوه من الإرهاب الإسلامي في السنوات الاخيرة.

في المقابل فان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ظهر فجأة أنه قزم مقارنة بالاحداث الاخرى. ويمكن أنه لن تُسمع الادعاءات التي تقول إن حل هذا الصراع سيحل مشكلات الشرق الاوسط ويضع حدا للهجمات الإرهابية في الغرب. هناك رابح كبير من هذه الاحداث هو الرئيس السوري بشار الاسد. قاتل الجموع الذي عمل في الشرق الاوسط في العقد الاخير، حيث يستطيع أن يشعر الآن بالأمان على كرسيه. المعركة الروسية في سوريا رغم الصعوبات التي تواجهها ساهمت في استقرار خطوط الدفاع أمام هجمات المتمردين الذين هددوا بوضع حد لنظام الاسد قبل بضعة اشهر. منذ عام والجهود الأمريكية والاوروبية في سوريا غير موجهة لاسقاط نظام الاسد بل هي ضد أعدائه، رجال «داعش». الجهود الآن ستزداد، وليس متوقعا أن يعمل أحد في الآونة القريبة ضد نظام الاسد. واذا كان «داعش» غير موجود فسوف يقوم النظام القمعي السوري بايجاده.