على وقع التطورات الأخيرة التي سيطرت على أجواء ​مؤتمر فيينا​، المُخصص لبحث ​الأزمة السورية​، كان من المتوقع أن يكون هناك تداعيات كبيرة على أرض الواقع، لا سيما على ضفة قوى المعارضة المسلحة، لكن أحداً لم يكن يعتقد أن الأمور ستكون بهذه السرعة.

في الجولة الأخيرة من المفاوضات في العاصمة النمساوية، كان من المفترض البحث في وضع لائحة محددة بالمنظمات الإرهابية العاملة في سوريا، لكن "غزوة باريس" فرضت نفسها على المجتمعين، ما أجبرهم على الخروج بخارطة طريق تتجاوز ما قد يظهر من خلافات فيما بينهم في المرحلة اللاحقة.

في هذا السياق، تم تكليف الحكومة الأردنية، التي أكدت في عدة مناسبات دعمها الدور الروسي، بعد أن كانت من أبرز داعمي المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية، من خلال غرفة عمليات "الموك"(1)، باعداد لائحة بالمنظمات التي من الممكن أن تصنف إرهابية، لكن السؤال كان عن الفصائل التي من الممكن أن توضع على هذه اللائحة، لا سيما أن الحكومة الروسية كانت قد ضمت، إلى جانب جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش"، "​جيش الإسلام​"، المدعوم من الحكومة السعودية، وحركة "​أحرار الشام​"، المدعومة من الحكومتين القطرية والتركية، مع العلم أن "الجيش" و"الحركة" عملا طوال الفترة السابقة على تلميع صورتهما على المستوى العالمي.

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن من الممكن فهم التطورات الأخيرة التي سيطرت على الأجواء، خصوصاً بعد إعلان وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن إستعداد بلاده للإنطلاق بعملية عسكرية مشتركة مع تركيا، من أجل تأمين جزء من حدودها يسيطر على جانبه السوري "داعش"، حيث أعلنت "أحرار الشام" عن إلغاء مكتبها الشرعي، الذي كان بقيادة أبو محمد الصادق، أحد أبرز رافضي التعاون مع الحكومة التركية في رغبتها إقامة منطقة عازلة، في وقت كان الجناح السياسي في الحركة يعمل منذ أشهر على الترويج بأن الحركة أحد أبرز الفصائل "المعتدلة" في سوريا، الأمر الذي فُسر بالإستجابة للرغبتين القطرية والتركية، قبل أن تضيع الفرصة، حيث من المفترض الإنطلاق بحوار، بحسب مقررات فيينا، بين الحكومة والمعارضة في مطلع العام المقبل، في وقت برز موقفان داخل الحركة من الإعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا، الأول يدين الجريمة والثاني يباركها.

وفي حين كانت هذه الخطوة، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، تثير حولها الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً بالنسبة إلى العلاقة مع الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، أي "النصرة"، التي تتحالف معها الحركة في غرفة عمليات "جيش الفتح" في إدلب، حيث من المفترض في حال سلكت الأوضاع مسارها الإيجابي، في ما يتعلق بالمفاوضات الشاملة برعاية الأمم المتحدة، أن يقع الصدام بينهما، جاءت الأنباء عن هدنة في منطقة الغوطة الشرقية لمدة 15 يوماً بين "جيش الإسلام" والجيش السوري، بعد أن نجح الأخير في إحراز تقدم نوعي على أكثر من جبهة، الأمر الذي عادت الحكومة السورية، عبر وزير المصالحة علي حيدر، إلى نفيه بالرغم من أنه أخذ حيزاً واسعاً من النقاش.

من وجهة نظر هذه المصادر، "لا دخان من دون نار"، مع العلم أن الجانب الرسمي السوري يعتبر أن ليس هناك من مصلحة بالتوصل إلى إتفاق هدنة في الوقت الراهن، وتشير إلى أنه في حال التوصل إلى مثل هذا الإتفاق لن يكون بالأمر المستغرب، خصوصاً أنه لن يكون الأول من نوعه، إلا أنها ترى أنه سيندرج في إطار الخطوة التي قامت بها "أحرار الشام"، أي السعي إلى مواكبة تطورات فيينا من أجل حجز موقع على طاولة المفاوضات المحتملة.

في المحصلة، ستكون الساحة السورية، في الجانب المتعلق بقوى المعارضة، على موعد مع سلة من التحولات في الأيام المقبلة، لا سيما إذا ما عملت الدول الداعمة على الضغط على ممثليها على الأرض من أجل التبديل من خياراتهم.

(1)غرفة عمليات الموك​ هي غرفة عمليات مشتركة بين دول مختلفة معروفة باسم "الموك" باللغة العربية، تأسّست منذ عامين باتفاق وتنسيق بين بعض دول ما تسمّى "مجموعة أصدقاء سوريا"، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن، وبمشاركة من السعودية والإمارات وتركيا.

ولهذه الغرفة مقران رئيسيان، الاول في الاردن حيث تدير الغرفة تحديدا القيادات المسلحة في معارك الحنوب السوري، خصوصا "​جبهة النصرة​" وفصائل اخرى. اما المقر الثاني فهو في تركيا، وتحديدا في أضنة لدعم الجبهات شمال سوريا.