قرار محاربة الارهاب والقضاء عليه ليس بالقرار السهل الممكن تنفيذه بزمن قصير أو بمجرد اتخاذ قرار دولي أو بتأليف تحالف دولي أو اممي أو تحت مسميات وعناوين مختلفة.

إلا أنّ محاربة الارهاب ستأخذ هذه المرّة طابعًا مختلفًا ومنحرفًا عن بوصلتها الصحيحة، لأنّ القوى والدول التي دعمت وسهّلت وسلّحت ودرّبت وموّلت هذا الارهاب المتفلت من دون ضوابط وبدون وازع ولا رادع بقيت خارج دائرة المحاسبة، لا بل إنّه يُمنع منعًا باتاً الاتيان على ذكر اسم تلك الدول من قريب أو بعيد خوفًا من الاضرار بمصالح وأجندات سياسية واقتصادية تعود بالنفع لتلك البلدان التي تُعتبر الراعي الرسمي لهذا الارهاب المتوحش الملصق زورًا بالاسلام والدين الاسلامي.

ولأنّ الارهاب صار مع سبق الاصرار والترصد مقرونًا بالاسلام والمسلمين، فإنّ المرحلة ستكون طويلة ومعقّدة عمليًا ونظريًا لأنّ من سيدفع ثمن مكافحة هذا الارهاب ليس مموّلوه ولا مشغّلوه أو داعموه، بل المجتمع المسلم الذي يحاول الانخراط بالمجتمع الغربي من خلال بثّ سموم الحقد والكراهية وشد عصب العنصرية والعداء ضد الاسلام والمسلمين من قبل المتطرفين الغربيين.

الغرب بالعموم سيتخذ إجراءات استثنائية ليس بهدف القضاء على أصل العلّة وأصل الارهاب، بل إنّ الغرب سيجد الفرصة مُتاحةً أمامه لتحقيق ما كان يصبو اليه منذ زمن بعيد، تنفيذًا لدراساتٍ عديدةٍ من مراكز الابحاث الغربية الأميركية والأوروبية والاسرائيلية تفيد أنّ أوروبا الى زوال وأنّ الحكم باوروبا في نهاية العام 2050 سيصبح حكمًا اسلاميًا خصوصًا بعد تزايد اعداد المسلمين في اوروبا. وعلى سبيل المثال فان فرنسا لوحدها لديها اكثر من ستة ملايين مسلم يقطنون فيها، وهذا العدد مرشح للزيادة بالطبع اذا ما اخذنا بالاعتبار التزاوج وكثرة الانجاب لدى هؤلاء المسلمين على غير عادة الاوروبيين الذين يكتفون بعدد محدد للأولاد.

الارهاب الذي ضرب أوروبا هو نتاج للسياسات الخاطئة التي اتبعتها دول اوروبا ومنها فرنسا تحديدًا مفضّلة المليارات من عقد الصفقات الكبيره العسكرية منها وغير العسكرية، على أمنها وأمن أوروبا، تنفيذاً لشروط ورغبات الدول المموّلة لهذا الارهاب المتنامي بشكل متسارع، ومن تلك الشروط تسهيل تجنيد وتدريب وتمويل وتسليح وغض الطرف عن تهريب الارهابيين عبر مطارات اوروبا الى الدول التي يراد لها إما أن تكون طيّعة لسياسات تلك الدول الممولة والمسهّلة التي تساهم وبشكل فعال بخدمة المشروع الصهيوني الهادف الى اقامة الدولة اليهودية على ارض فلسطين العربية، والا!

فان اي نظام أو حكومة أو بلد يمتنع عن الاذعان والانصياع لسياسات ورغبات أميركا بتسليم خيراته وخبراته ونفطه وغازه وثرواته لها و للعدو الصهيوني، عندها يتم ارسال واستعمال هذا الارهاب بهدف التخريب وقلب النظام في الدول الممانعة والعمل على اسقاط رؤسائها وضرب اقتصادها وتهديم تراثها وسرقة آثارها وطمس تاريخها والعمل على التغيير الديموغرافي والسكني وتغيير جغرافيا البلد الممانع وتمزيقه وتفتيته وزعزعة الامن واثارة الفوضى فيه على مختلف انواعها ومسمياتها تماما كما حصل في العراق وليبيا ومصر وسوريا.

ليكن معلوما ان الحملات العسكرية وتحريك حاملات الطائرات باتجاه بحرنا ومناطقنا وشن الضربات الجوية وحتى الاجتياحات البرية وتطهير بعض المناطق من الارهابيين لن تكون امرًا ناجعًا ومفيدًا يُسهِم بانجاح عملية القضاء على الارهاب لانها تبقى بمثابة الالتفاف على الذات لان الحملات العسكرية التي تشهدها بعض بلادنا العربية بهدف القضاء على الارهاب تبقى محدودة النتائج اذا لم يتم تصحيح اتجاه البوصلة الحقيقي والجدي والمفيد بالحرب على الارهاب، اي بالوصول الى اصل العلّة للقضاء على العلّة ذاتها، وهو تجفيف منابع التمويل العسكري والمادي والكشف عن اسماء الدول الداعمة للارهاب ومحاسبتها امام مجلس الامن الدولي.

ما نشهده اليوم من هجمة عنيفة ضد الاسلام و المسلمين في اوروبا وأميركا دون الكشف عن الاسباب الرئيسية التي ادت الى انشاء وتعاظم قوة هذا الارهاب يعتبر انحرافا كاملا عن البوصلة الاساسية لتحقيق الهدف المنشود، اي القضاء على منبع الفكر واصل التمويل والتسليح والتدريب والتجنيد لهذا الارهاب المقيت.

يبقى أمر الاعتراف بخطأ السياسات الغربية الرعناء التي اتُبِعت من قبل حكومات الغرب وأميركا تجاه شعبنا العربي عمومًا والمسلم خصوصًا، كان ولم يزل أحد الاسباب الاساسية لنشوء وتعاظم الارهاب في بلادنا العربية وبالارتداد على داعميه في اوروبا والعالم.

مندوب سوريا للامم المتحدة ​بشار الجعفري​، ومنذ سنوات عدة، كشف عن وثائق دقيقة حدد فيها بالاسماء دولا ترعى وتغذي الارهاب في سوريا ولم يحرك العالم ساكنا لمواجهة هذه الآفة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع دول العشرين G20 قال ان 40 دولة تشارك في دعم الارهاب، وأنّ بعضًا من تلك الدول هي مشاركة في مؤتمر انطاليا في تركيا، كاشفاً بالوثائق والادلة الدامغة والصور عبر الاقمار الاصطناعية وبالايصلات واللوائح، مُظهِرًا اماكن التدريب وطرق التمويل وغسل الاموال عبر البنوك التركية واسماء الدول التي ينبع منها الارهاب الدولي والمموّلة له وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، مستضيفة المؤتمر، بالاضافة لمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الفعالة والمسهلة للارهاب والارهابيين.

جاك ميار​، وهو نائب وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، يقول: "علينا عدم دفن رؤوسنا في الرمال وفتح ملفات حلفائنا السعودية وقطر وبعض الدول في الاتحاد الاوروبي التي ساهمت بتغذية هذا الارهاب".

الجنرال ​جيمس ماتيس​ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي وعند الادلاء بشهادته امام الكونغرس الاميركي في 2013 قال ان "اعتماد سياسة التعمية والتضليل من قبل CIA بعدم الافصاح عن المنبع الاساسي للارهاب وغض النظر عن ممارسات حلفائنا الخليجيين امر مخيف وقد نضطر للاستمرار بمحاربة الارهاب حتى العام 2050".

نقول إنّ تصحيح اتجاه بوصلة الحرب على الارهاب هو في الولوج في اصل الداء لايجاد الدواء، وأسرع الطرق للحصول على الدواء تكمن بوقف الدعم سياسيًا ومادياً وإعلاميًا، وتجفيف منابعه الايدولوجية والضغط على الدول الداعمة له وانصياعها لاعتماد سياسات مغايرة لسياساتها المتبعة في المنطقة، والبدء باعتماد مسار صحيح وجدي في محاربة الارهاب. والا فاننا سنبقى مسمّرين امام شاشات التلفزة نشهد على عمليات ارهابية متكررة مليئة بالدماء البريئة في شتى انحاء المعمورة، باستثناء المستفيد الاول... اسرائيل.