أكد الكاتب البريطاني ​روبرت فيسك​ في مقاله الأخير في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، حول أزمة اللاجئين المتصاعدة في الآونة الأخيرة، "أننا نحن صانعو الحدود بالشرق الأوسط"، مشيراً الى أن العرب الذين أعلنوا بثوراتهم عدم رضاهم عن الحدود التي رسمها لهم الاستعمار الغربي يعاملون بالاستخفاف ذاته مع تلك الحدود في الوقت الحالي.

ووصف فيسك في مقاله كيف ينتقل اللاجئون من دولة أوروبية إلى جارتها وكيف أنهم لا يعترفون بحدود تلك الدول ويخترقونها باللامبالاة ذاتها التي اخترقوا بها حدود سوريا مع لبنان وتركيا، لافتاً الى "اننا نحن الذين صنعنا الحدود في الشرق الأوسط وهؤلاء الناس لا يعترفون بتلك الحدود ولا بحدود بلادنا ويسعون إلى الوصول لألمانيا أو السويد ولو مشيا على الأقدام ولا تستطيع عناصر الشرطة المسلحون بالغاز المسيل للدموع توقيفهم"، مشيراً الى "أن سبب صدمتنا وسخطنا هو أن حدودنا الغالية لا تحترم وتخترقها جيوش في أغلبها مسلمون فقراء على النقيض من خرقنا ونحن سعداء للحدود العربية".

واعتبر أن تنظيم "داعش" الإرهابي هو الجانب الذي كتب نهاية اتفاقية "سايكس بيكو" في أوائل عام 2014 عندما بث تسجيلا مصورا يظهر جرافة تجرف حاجزا رمليا يحدد الحدود بين العراق وسوريا وأسفله لافتة ملقاة على الرمل مكتوب عليها "نهاية سايكس- بيكو".

ولفت فيسك إلى أن الحدود التي رسمها الدبلوماسي الفرنسي "فرانسوا بيكو" والدبلوماسي البريطاني "مارك سايكس" بشكل سري خلال الحرب العالمية الأولى لتأخذ فرنسا سوريا، جبل لبنان وشمال العراق، وتأخذ بريطانيا فلسطين، الأردن وبقية العراق مما خلق دولا وهمية حيث الحدود وأبراج المراقبة وتلال الرمل تفصل بين العشائر، العائلات والناس، موضحاً أن العرب حاولوا على مدى 100 عام إزالة الحدود الوهمية التي استخدمتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى خاصة بريطانيا وفرنسا، لتقسيم الشعب العربي، لافتاً الى أن بريطانيا دسّت ملوكًا على العرب، ولفّقت نسبة موافقة وصلت إلى 96% في استفتاء لاختيار الملك الهاشمي "الملك فيصل"، لحكم العراق في 1922، ثم زوّدتهم بجنرالات وديكتاتوريات، بعدها عانت شعوب ليبيا، سوريا، العراق ومصر، بسبب الغزو البريطاني، من حكومات مزيفة، شرطة وحشية، صحف كاذبة وانتخابات شكلية، فقد كرر الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أسطورةَ الفوز بنسبة 96% ذاتها مرة أخرى.

واعترف فيسك بدعم الدول الغربية المتعمد طوال العقود الماضية للديكتاتوريات الوحشية التي قمعت العرب، فلم تعد "الديمقراطية" بالنسبة لهم تعنى حريةَ التعبير وحريةَ انتخاب قادتهم، بل كانت إشارةً إلى الدول الغربية "الديمقراطية" التي استمرت في دعم الديكتاتوريات الوحشية، لافتاًً الى أن الثورات العربية التي اجتاحت الشرق الأوسط في عام 2011 لم تُطالب بالديمقراطية، بل رفع القائمين بها لافتات طالبت بالكرامة والعدالة وهما سلعتان لم يسعَ الغربُ إلى توفيرهما للعرب.

ورأى أنه "استفاق العرب من نوم عميق ورفضوا البقاء أطفالا يحكمهم وصي كالأب مثل عبد الناصر والسادات ومبارك والأسد والقذافي، أفاقوا ليجدوا أن حكوماتهم هي المؤلفة من أطفال أحدهم مبارك وكان عمره 83 عامًا"، مشيراً الى أنه "الآن أظن أنني كنت مخطئًا في تحليلي، وأظن أن النقابات أدت دورا مهما، خاصة أنها كانت قوية في مصر وتونس، حيث كان سفك الدماء أقل بكثير من بلدان أخرى منعت حكوماتها هذه النقابات مثل ليبيا، أو استولت عليها مثل سوريا واليمن، ولكن حتى هذا لا يشرح أحداث 2011".

واعتبر فيسك ان تنظيم "داعش" أدرك مبكرا صعوبة الدفاع عن الحدود في العصر الحديث، وتزامن ذلك مع خيبة أمل العرب في بلدانهم التي فشلت، وإغراق ملايين اللاجئين الأفغان والسوريين لبنان والأردن وتركيا ثم أوروبا، لافتاً الى "اننا اعتدنا على ضرب الأراضي العربية إلى درجة أنه لم نعلن أننا في حالة حرب إلا عندما بدأ المسلمون بمهاجمة عواصمنا، لا توجد في العواصم العربية حالة طوارئ حمراء وبرتقالية، فهي تعيش في حالة طوارئ حمراء طيلة الوقت بسبب تلك الحالة التي فرضها الديكتاتوريون المدعومون من الغرب، وبالطبع منذ نكبة العراق نفضل استخدام مليشيات محلية ليموتوا لأجلنا، فالأكراد هم مقاتلونا البريون ضد تنظيم "داعش"، وكذلك المليشيات الشيعية والإيرانية بل والجيش السوري و"حزب الله"، وإن كنا لا نحب أن نعترف بذلك".

وأكد أن دعم بلاده لإسرائيل يتماشى منطقيا مع رفضها الاعتراف بأي حدود عربية إلا إذا ناسبهم ذلك، فهم من يرسمون الحدود، وهم من يحددون أين تبدأ الحضارات وأين تنتهي، والغرب هو من يقرر حماية السيادة أو الاعتداء عليها في الشرق الأوسط.

واختتم مقاله متندما على سياسة الغرب التي تفترض أن وجود قوات لها بالاراضي العربية تحصنهم من التعرض لهجمات داخلية وفق ما كان دوما يراه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير قبل أن يذهبا إلى مقبرة العراق بمبدأ "نذهب هناك كي لا يهاجمونا هنا"، ولكن يبدو أن الأيام التي كان يمكننا فيها القيام بمغامرات أجنبية ونتوقع البقاء آمنين في بلادنا قد ذهبت بلا عودة.