على وقع التحولات الكثيرة التي تشهدها المنطقة، ينبغي التوقف ملياً عند تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، من العاصمة الفرنسية باريس، عن قيام تحالف بين بلاده والسعودية لمكافحة الإرهاب، في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أنّ لهذا الأمر تداعيات كبيرة على أكثر من مستوى.

من هذا المنطلق، ينبغي العودة بضعة أشهر إلى الوراء، إلى عهد الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، الذي دعم إنقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على نظام حكم حركة "الإخوان المسلمين" في بلاده بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي، ما أدى إلى توتر في العلاقات التركية السعودية من جهة، بالإضافة إلى العلاقات داخل دول مجلس التعاون الخليجي، بالتحديد مع قطر، من جهة ثانية.

في هذا السياق، تشير مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، إلى أن العهد السعودي الجديد بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تولى العرش بعد وفاة الملك عبدالله، واجه تحديات بارزة، منها تجاهل الولايات المتحدة الأميركية له في توقيع الإتفاق النووي الإيراني، والحرب في اليمن، التي لم ينجح حتى الآن في تحقيق الأهداف التي وضعها عند إعلانها، بالإضافة إلى نمو التيارات المتطرفة في عدد من الدول العربية والإسلامية، بالتزامن مع إنفجار الصراع مع طهران وتنامي الحديث في الدول الغربية، لا سيما داخل البلدان الأوروبية، عن مسؤولية الرياض عن إنتشار الإرهاب في العالم.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، كان يواجه، في الوقت عينه، تحديات لا تقل خطورة، لا تبدأ بالأزمة مع المكوّن الكردي، الذي يشعر بالقوة على ضوء الإنتصارات التي يحققها في سوريا والعراق، ولا تنتهي عند التهديدات الأمنية التي يواجهها، بل تشمل حادثة إسقاط الطائرة الروسية، بالإضافة إلى إتهامها برعاية التنظيمات الإرهابية في سوريا، خصوصاً "داعش" وجبهة "النصرة".

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر هذه المصادر أن ذهاب الرياض وأنقرة إلى تحالف موضوعي أصبح أمراً ضرورياً، تروّج له العديد من الشخصيات الفاعلة في البلدين، على أساس المخاطر المشتركة، وهو ما ظهر أولاً من خلال عودة العلاقات مع حركة "الإخوان المسلمين"، التي تقاتل عبر جناحها اليمني إلى جانب السعودية، وثانياً عبر الإشتراك معاً في تكثيف الدعم المقدم إلى الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا، بالإضافة إلى تنسيق الموقف السياسي في أكثر ملف، لا سيما بالنظرة إلى دور الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي حين تشدد المصادر المراقبة على أن قطر ليست بعيدة عن هذا التحالف على الإطلاق، تلفت إلى خسارته ركناً أساسياً فاعلاً في العالم العربي، أي مصر، التي ترى أن التحديات التي تواجهها تدفعها إلى التحالف مع الحكومة السورية، لا سيما أنهما ينظران بقلق إلى دور حركة "الإخوان المسلمين"، التي تحظى برعاية تركية كاملة، وتشير إلى أن التنسيق بين القاهرة ودمشق لم يعد سراً، بل أن الزيارات الأمنية لم يعد ينقصها إلا إعلان سياسي عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتؤكد بأن هناك دولاً عربية أخرى، أبرزها الإمارات وعمان، لا تجد نفسها في التحالف السعودي التركي بأي شكل من الأشكال، بل على العكس من ذلك ترى فيه خطراً على أمنها القومي.

وفي الوقت الذي تضع فيه هذه المصادر علامات الإستفهام حول الموقف الأميركي من هذا التحالف، بين دولتين حليفتين لواشنطن، تلفت إلى أن دولاً عربية وإسلامية أخرى، ستجد نفسها معنية بالمشاركة فيه لعدة أسباب، منها السودان وليبيا وباكستان، في حين لن تستطيع بعض الدول حسم موقفها سريعاً، لكنها تشير إلى أن روسيا ستفهم منه رسالة مباشرة لها، لا سيما في ظل المعلومات عن رعاية حلف شمال الأطلسي "الناتو" له، في مشهد يعيد إلى الأذهان الحرب الأفغانية التي أرهقت الإتحاد السوفياتي السابق.

على الرغم من كل هذه المعطيات، ترى المصادر نفسها أن التحالف السعودي التركي، المنطلق من الفراغ القائم في الساحتين العربية والإسلامية، الذي كان قد أدى إلى بروز الجماعات الإرهابية المتطرفة، التي قدمت نفسها بديلاً يمتلك القوة والرغبة في المواجهة، طارحاً خيار العودة إلى "الخلافة"، ذلك النظام الحاضر في أذهان فئات شعبية واسعة بصورة "المجد" المنهار مع سقوط السلطنة العثمانية، سيواجه أزمة كبيرة خلال فترة كبيرة، سببها التنافس على القيادة بين الرياض وأنقرة على زعامة العالمين العربي والإسلامي.

بالنسبة إلى هذه المصادر، السعودية لا ترى نفسها إلا في دور الزعامة، التي عملت على تكريسها على مدى سنوات طويلة، مستفيدة من الثروة النفطية التي أمنت لها الأموال الطائلة، والثانية طامحة إلى أن تكون في هذا المكان، مستندة إلى إنتماء حزبها الحاكم إلى "الإخوان المسلمين"، بالإضافة إلى الشعبية التي يتمتع بها رئيسها ​رجب طيب أردوغان​، من خلال سعيه إلى الظهور بشخصية الرئيس المسلم المدافع عن الحقوق والقادر على مواجهة الدول الكبرى، وتدعو إلى العودة إلى مواقف بعض الشخصيات الخليجية الفاعلة، خلال الإنتخابات التشريعية السابقة في تركيا، من أجل فهم حقيقة هذا التحدي.

في المحصلة، ستحمل الأيام المقبلة الكثير من المؤشرات البارزة، التي ستكون هامة من أجل فهم مسار الأحداث على الساحتين الإسلامية والعربية، لكن الأكيد أن الصورة الحالية توحي بأنها ستكون دموية على الأرجح، بعيدة عن الخيارات السلمية والسياسية.