بالتزامن مع عملية تبادل الرهائن العسكريين، التي حصلت برعاية قطرية، مع "​جبهة النصرة​" الإرهابية، والتي أدت في نهاية المطاف إلى الإفراج عن المخطوفين لديها، هناك جملة من المعطيات التي ينبغي التوقف عندها، خصوصاً في ظل السعي إلى تصويرها وكأنّها فصيل "معتدل"، من الممكن العمل على إشراكه في العملية السياسية المزمع إطلاقها في سوريا، على ضوء المفاوضات الإقليمية والدولية التي تحصل خلال اللقاءات في العاصمة النمساوية فيينا.

بعيداً عن أهمية الحدث على المستوى اللبناني، من الضروري التنبه إلى الصورة التي عمل الجناح السوري لتنظيم "القاعدة" على الظهور بها، أو التي كان من المطلوب منه تبيانها عبر شاشات التلفاز التي نقلت العملية مباشرة على الهواء، حيث كان من الواضح أنّ كلّ تفصيل في المشهد مدروس بعناية فائقة، لتحقيق الأهداف التي ستظهر في المرحلة المقبلة، التي لا تنفصل عن الظرف السياسي والعسكري الدقيق على مستوى المنطقة.

من خلال متابعة سريعة لكيفية تعاطي الفئات المتعاطفة مع "النصرة" مع الحدث، عبر مواقع التواصل الإجتماعي بالتحديد، يظهر أن الجبهة نجحت بالقول أن إهتماماتها "إنسانية" بالدرجة الأولى، من خلال تأمين نقل المساعدات الغذائية والإنسانية إلى اللاجئين السوريين في المخيمات القائمة على الحدود اللبنانية السورية المشتركة في بلدة عرسال، بالإضافة إلى تسهيل عملية نقل الجرحى والمصابين إلى المستشفيات، من دون إهمال عامل رئيسي يتمثل بالإفراج عن سجناء، أغلبهم من النساء، يتم التشدد دائماً على أنهم "مظلومون"، لا سيما أن في لبنان أزمة لم تنجح السلطات الرسمية في إيجاد حل لها متمثلة بملف ما يسمّى بـ"السجناء الإسلاميين"، مع العلم أن توقيفهم لم يكن بأي لحظة على أساس معتقداتهم الدينية، لكن الإهمال حوّلهم إلى مادة دسمة من أجل الإستغلال على مختلف الصعد.

بالتزامن مع هذه الصورة على مستوى المطالب التي نجحت "النصرة" في إنتزاعها من الدولة اللبنانية، أرادت الجبهة أن ترسل رسالة، عبر عمليات التبادل، إلى من يعنيهم الأمر بأنها قادرة على المشاركة في عمليات التفاوض، لا بل أكثر من ذلك هي تلتزم بالعهود التي تقطعها خلالها، لكن ما ساعدها على هذا الأمر هو مشهد أبناء المنتمين والمقربين منها الصغار خلال تقديمهم المرطبات إلى العسكريين المخطوفين قبل إنتقالهم إلى الجانب اللبناني، بالإضافة الى الصورة التي نقلت عن كيفية تعاملهم مع الأطفال الذين كانوا برفقة المفرج عنهم بموجب الصفقة، إلى جانب التصريحات التي صدرت عن بعض القوى السياسية والرهائن التي تشيد بتعامل الإرهابيين معهم، في مشهد يعيد إلى الأذهان صورة "الضيافة" التي كان يقوم بها المسؤول عن عملية خطف الزوار في أعزاز.

هذه الصورة التي مرت سريعاً خلال ساعات نهار أمس، لا يمكن أن تكون بريئة على الإطلاق، لا سيما أنها تأتي في وقت تزداد فيه الضغوط على بعض الفصائل المسلحة العاملة على الأراضي السورية، للإبتعاد عن الأفكار المتطرفة، بهدف الإستفادة منها على المستوى السياسي في المرحلة المقبلة، خصوصًا أن المفاوضات القائمة مع عناصر "النصرة" وحركة "أحرار الشام"، من أجل إعلان فك الإرتباط مع "القاعدة"، لم تتوقف بأي يوم من الأيام، لا بل أن رئيس "الإئتلاف الوطني السوري" المعارض خالد خوجة، جدد الدعوة قبل أيام إلى عناصر الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، وكأن الأمور تنتهي بمجرد صدور بيان إعلامي يمحي كل الممارسات السابقة، من أجل التركيز فقط على محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، مع العلم أن الجبهة خرجت من رحم التنظيم بسبب خلاف على الزعامة لا أكثر ولا أقل.

إنطلاقاً من ذلك، ينبغي التوقف عند مشهد دخول العناصر الإرهابية إلى قلب الأراضي اللبنانية، والتفكير ملياً عما إذا كان هناك في الداخل من هو مستعد إلى التعايش معهم، لا سيما أن أفكارهم ونظرتهم إلى الآخر باتت معروفة بشكل جيد، ومن الضروري لمن خانته ذاكرته بسبب تسارع الأحداث التذكير بأن الجبهة تبنت على الأقل، بشكل رسمي، العمليات الإرهابية التالية: التفجير أمام مبنى السراي الحكومي في مدينة الهرمل، التفجير في الشارع العريض في حارة حريك، التفجير داخل محطة وقود في الهرمل، التفجير في الشويفات بعد أن شك السائق بالإنتحاري، التفجير عند حاجز للجيش في الهرمل-جسر نهر العاصي، التفجير في النبي عثمان في البقاع الشمالي، التفجير عند حاحز الجيش في وادي عطا في عرسال، التفجير الإنتحاري المزدوج في جبل محسن.

في المحصلة، يجب التنبه إلى كل ما يحصل، في الوقت الراهن، في ما يتعلق بالتعامل مع الجماعات الإرهابية، خصوصاً أنها لا تؤمن بسيادة دول ولا بحدود ينبغي احترامها، ولائحة التوقيفات في السجون اللبنانية دليل قاطع على هذا الأمر.