بعد الانهيار الكبير في صفوف "جبهة النصرة" في معظم قرى ومناطق القلمون، لم يعد لمصلحتها البقاء في "جزيرة أمنية" في جرود عرسال إلى ما لا نهاية، خصوصاً في ضوء التطورات الميدانية على امتداد الأراضي السورية، وتقدُّم الجيش السوري في مختلف جبهات القتال، كذلك انسحاب المسلحين من عدد المناطق، أبرزها انسحاب مسلحي "النصرة" من "حي الوعر" في حمص، إضافة إلى بدء تنفيذ مراحل اتفاق خروج عناصر "الجبهة" من مضايا في الغوطة الغربية، وبالتالي إسقاط المخطط الإقليمي الرامي إلى مهاجمة العاصمة السورية دمشق من جهة الغرب، خصوصاً بعد دخول الجيش السوري وحزب الله إلى مدينة الزبداني المجاورة للبنان، واستهداف معاقل المسلحين في وادي بردى ومضايا، وقد يكون لانسحاب المسلحين من الأخيرة انعكاساً إيجابياً مباشراً على قضية العسكريين المحررين، المختطفين سابقاً في جرود عرسال، برأي مرجع عسكري.

أضف إلى ذلك الإنجازات الميدانية التي حقتتها القوات السورية والمقاومة اللبنانية في جرود سلسلة الجبال الشرقية الصيف الفائت، والتي أفضت إلى تقطيع أوصال المجموعات التكفيرية المسلحة في "الجرود"، كذلك بينها والمناطق اللبنانية والسورية المحاذية لها، باستثناء بلدة عرسال لاعتبارات مذهبية، إضافة إلى تمكّن حزب الله من شلّ يد التكفيريين، وتضييق هامش تحركهم الذي بات محصوراً بين عرسال وجردها، كذلك جرد رأس بعلبك في الأراضي اللبنانية، حيث وجود "داعش".

كما أسهمت هذه الإنجازات في إبعاد الخطر التكفيري عن القرى المحيطة بعرسال، كيونين، واللبوة وسواهما.

كذلك أسهمت الإنجازات التي حققتها المقاومة في السلسة الشرقية في حماية دمشق أيضاً، بعد سيطرتها على فليطا والجراير في سلسلة جبال القلمون، وجرود نحلة المحاذية للجرود السورية من الجهة الجنوبية لجرودعرسال.

وقد تتم معالجة الحالة الأمنية الشاذة في عرسال في مرحلة لاحقة، إن من خلال مفاوضات تفضي إلى انسحابهم خارج المنطقة، على غرار ما يحصل في "حي الوعر"، أو من خلال عملية عسكرية في وقت لاحق، ما دامت النقاط الاستراتجية في "السلسة" تحت سيطرة المقاومة والجيش السوري.

ويرجّح المرجع المذكور آنفاً أن تكون وجهة سير مسلحي عرسال المقبلة، هي أحد أرياف إدلب، وقد يتم انسحابهم عبر مسارب تؤدي إلى محافطة إدلب، رافضاً تحديد المكان.

لاريب أن هذا الخط الانحداري للمسلحين ورعاتهم الإقليميين، وإمكان اتخاذ قرار خروج "النصرة" من القلمون، لم يعد يسمح بالاحتفاظ بالعسكريين إلى الأبد، لاسيما أن ذلك أدى إلى دفع الراعي القطري إلى الإسراع في عملية التفاض لإطلاق العسكريين بأفضل شروط ممكنة تحصل عليها "النصرة" في المرحلة الراهنة، لاسيما في ضوء صراعها المستمر مع "داعش" في القلمون، الذي يحاول فرض سيطرته منفرداً في جرود عرسال.

وتأكيداً على ذلك، يحاول مسلحو "داعش" التقدم نحو مشاريع القاع المتصلة برأس بعلبك، سعياً منهم إلى وصل المشاريع بعرسال من جهة الجنوب، وطرد باقي الفصائل التكفيرية منها، لتكون الكلمة الأولى لهم في هذه البقعة الجغرافية، غير أن دفاعات الجيش اللبناني والمقاومة أسقطت "حلم الإمارة الداعشية".

وفي سياق متصل، يسعى القطري إلى تعزيز حضوره في المنطقة، من خلال وساطته في قضية الإفراج عن العسكريين، لاسيما بعد الانهيارات الجماعية لمسلحيه على الامتداد الأراضي السورية، لذا يحاول تلميع صورة "النصرة"، وإظهارها أمام الرأي العام الدولي والمحلي أنها "معتدلة" و"متجاوبة مع القضايا الإنسانية"، وبالتالي ليست إرهابية، علّه بذلك يحصّل في السياسية ما خسره في الميدان، من خلال تغيير اسم "جبهة النصرة- فرع القاعدة في بلاد الشام"، على غرار تنظيم "أحرار الشام" ذاي الجذور "القاعدية"، وضم "النصرة" إلى قائمة الأحزاب "المعتدلة" في عملية التفاوض المرتقبة مع الحكومة السورية، ما يؤكد تبعية "الجبهة" الكاملة للمخابرات القطرية.