وصلت قضية العسكريين المخطوفين الستة عشر لدى "جبهة النصرة" إلى محطتها النهائية السعيدة، وبصرف النظر عن كل ما قيل عن إنجاز هذه الصفقة، فإن العسكريين المخطوفين هم ضحايا لنظام سياسي مهلهل، يرضى كثير من أركانه أن يُحتلّ جزء ولو بسيط من ترابه من قبَل عصابات إرهابية، ويصل الأمر ببعضهم لأن يُشهروا تحالفهم مع هذا الإرهاب التدميري.

نظام مهلهل يرفض تحسين الأوضاع الحياتية والمعيشية لعسكرييه، رغم تضحياتهم الكبرى، ولموظفي دولته التي ينهش سياسيوها خيراتها ومواردها وأملاكها، ولا يسلَّح الجيش إلا بما يمنّ عليه من بقايا أسلحة لدى دول، وبما تجود به الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها.

في مسيرة التفاوض على مدى 16 شهراً من أسر الجنود، مع الجماعات الإرهابية، كان واضحاً أن ثمة تخلٍّ من الدولة التي تَسابق رجالها إلى السراي الحكومي لالتقاط الصور التذكارية مع العسكريين المحررين، وهم وقوفاً بكامل لياقاتهم وقاماتهم، فيما العسكريون المحررون يجلسون أمامهم القرفصاء، وكأنه لم يكفهم ما عانوه من أسر وعذاب.

وحدهم المقاومون اللبنانيون لم يظهروا في ميدان المبارزة والإطلالة الإعلامية ومظاهر الابتهاج، وهم الذين حفظوا ماء وجه "الدولة"، لأنهم تصدّوا لوجه الإرهاب الصهيوني الآخر، وهو الإرهاب التكفيري، الذي وجد له في الداخل وعلى المستوى الرسمي من يسانده ويؤيده ويدعمه، وأراده الأميركي وبائع الكاز العربي أن يبقى "مسمار جحا" في الجرود اللبنانية، وفي خاصرة المقاومة، التي اضطرت لأن تأخذ قصب السبق وتدحرهم عن قسم واسع من الأرض التي احتلوها، وفق خطة متكاملة لتحرير كل الحدود الشرقية.

ملف العسكريين المخطوفين وقع بالكامل على عاتق المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي انطلق منذ اللحظة الأولى بمهمته بجَلَد وصبر وأناة من أجل حل هذه القضية.

كثيرون دخلوا على الخط، وعملوا بأشكال مختلفة، وقدّموا التنازلات، ومدحوا بالخاطفين، وبعضهم دعا لمبايعتهم، كما لعب على وتر عواطف الأهالي، مسهماً مرات عديدة في تحريض عبثي لا مبرر له، ما أسهم في تعقيد المفاوضات، فبدا هؤلاء وكأنهم جزء من مشروع التكفيريين، وحينما سقطت من يدهم كل حيلهم وصرعاتهم، وحتى جنونهم، بقي في الميدان سيد المهمة، فتابع اللواء إبراهيم المهمة، مستعيداً ما بقي من "أشلاء دولة" أهدر كثير من سياسييها هيبتها في جرود عرسال والقلمون.

في كل الاتجاهات عمل اللواء إبراهيم من أجل المهمة الجليلة، وهو الذي كان قام في السابق بمثلها - تذكّروا دوره الهام في تحرير مخطوفي عزاز وراهبات معلولة - ووجد كل عون من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ومن الدولة السورية، وكان لهما بذلك فضل بإنجاز الصفقة، وبإنجاح المهمة التي عمل من أجلها بتفاوض صعب ومرّ وقاسٍ ليوصلها في نهاية المطاف إلى برّ الأمان.

قد يحتجّ البعض على أن الصفقة تضمّنت من ضمن ما تضمّنت إبقاء الطريق مفتوحة بين بلدة عرسال، حيث تتواجد مخيمات للنازحين، وجرودها، لكن ذلك "هيصة" أو "فرقعة" إعلامية ليس إلا، لأن الطرقات والمسالك بين عرسال والجرود لم تكن مقطوعة، وهي كانت دائماً مشرّعة..

تحرير العسكريين من "جبهة النصرة" إنجاز نوعي وهام يسجَّل لمدير عام الأمن العام، الذي سيستمر في دوره الدؤوب من أجل العسكريين التسعة الذين ما زالوا في الأسر لدى "داعش".. وفي كل الحالات فإن تحرير الجنود الـ16 سيحرر المقاومة والجيش اللبناني من عبء ثقيل، وهو أن هناك رهائن في أيدي ارهابيي "جبهة النصرة"، فالحدود سيتم تحريرها من كل أثر إرهابي.. وأولى البواكير، كان في الساعات الماضية، حينما استهدفت مدفعية الجيش اللبناني تحركات إرهابية لـ"جبهة النصرة" في جرود عرسال، فأصابتها إصابات مباشرة، وأعطبت لها ست آليات.