استضافت منسقية التثقيف السياسي في "تيار المستقبل" - طرابلس مستشار رئيس سعد الحريري ​داوود الصايغ​ في ندوة سياسية، حيث رأى الصايغ انه "كان من أقدارنا ولا يزال أن ننجح في التطلع الى الأمام. هكذا خرج اللبنانيون من سنوات الحروب ودمارها، وهكذا مضت طرابلس في مسيرة الحياة، نافضة عن نفوس أبنائها وحجارة مساجدها مختلف أنواع الركام، لتقف أبدا وفية لأصالة كل ما مثلته في تاريخها، في عطاءاتها الإنسانية والفكرية والوطنية، نموذجا أبيا للعيش الواحد والإنفتاح والتسامح والإعتدال، ورحابة الإلتقاء".

وأوضح الصايغ أن "ما نشهده من تعطيل للحياة الدستورية، ومن تعريض لبنان لمختلف أنواع الأخطار لا علاقة له بنظام الحكم وبالدستور وتوازنات الميثاق والوفاق. فنظام الحكم اللبناني هو شيء، وربط لبنان بمحور خارجي مناف لطبيعته هو شيء آخر. ولذا فإنه من العبث بمكان طرح مشاريع تعديلات على نظام الحكم اللبناني بسبب تبدل موازين القوى الإقليمية وإحتمال إنعكاسها على هذا النظام".

أضاف: "بما أننا نعيش مرحلة الدعوات الى الحوار بمواضيع مفتوحة، تحت سقف الدستور والطائف، لتسوية سياسية متكاملة، فإننا بصورة طبيعية نتلقف هذه الدعوات بتجاوب مخلص، لأن تلك هي توجهات المستقبل بالذات، منذ أيام المؤسس رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري الى الرئيس سعد الحريري الذي إرتكز خطابه في الأساس، من بين ما ارتكز عليه، على الإنفتاح واليد الممدودة، وإيلاء المصلحة اللبنانية المرتبة الأولى في السياسة".

وأكد الصايغ أن "الشرق العربي يتغير"، مشيرا الى "أننا نشاهد التاريخ يجول جولات جديدة مصبوغة بدماء تلونت بها بردى ودجلة، وارتفعت الأطلال من جديد في مدن هذا الشرق، من غير أن يتبين حتى الآن ما هو مستقبل هذه البلدان التي يتقرر مصيرها على موائد فيينا وجنيف، بعدما كان لأنظمة الحكم إسهام مباشر في إيصال شعوبها الى الفواجع القائمة حاليا، والتي أخذت تدق أبواب أوروبا بشكل مباشر، إن بموجات اللاجئين التي لا سابق لها في التاريخ الأوروبي، أو بالإرهاب الأممي الذي أخذ يضربها، في قلب باريس، ووسط إجراءات الحذر والخوف التي دفعت السلطات البلجيكية في 22 الشهر الماضي الى حد إغلاق الأماكن العامة في دعوة غير مباشرة الى التجول الطبيعي في بروكسيل".

ولفت الصايغ الى أن "الإرهاب ذاك كان قد ضربنا قبل يوم واحد في ضاحية بيروت، كما ضربها قبل سنتين، وضرب طرابلس في أسمى رموزها، لأن لبنان تحول الى جزء من مساحة الحروب التي يشنها الإرهاب، مع وجود جنود لنا كانوا محتجزين منذ سنة وأربعة أشهر بين أيدي الإرهابيين، ولا يزال بعضهم في الإحتجاز، والذين لم يوفروا عرسال وأماكن أخرى وبوجود محاولات عديدة أحبطتها الأعين الأمنية اليقظة، والتي وضعت يدها على مخططات المتآمرين".

وتساءل: "الشرق يتغير نعم. ولكن في أي إتجاهات؟ هل ستعود سوريا دولة موحدة، هل سيتم تكريس الشكل الإتحادي للعراق، الى أين سينتهي اليمن، والى أين مصير المحور الذي أدخل لبنان فيه، بعد الإتفاق النووي؟"

وعن النظام اللبناني، أوضح الصايغ أنه "عندما نتحدث عن نظام الحكم اللبناني، فإننا نعني مجموعة القواعد التي إرتكز عليها في عملية قيامه وتكوينه"، مؤكداً "نحن نقصد هنا النظام الدستوري ومكوناته الأخرى الخاصة بلبنان والتي تم التعبير عنها تاريخيا بتعابير لا تعرفها الأنظمة السياسية في البلدان الأخرى، مثل الميثاق والوفاق. فتلك صفات أنفرد بها نظام الحكم اللبناني نتيجة لعملية تكوينه التاريخي".

أضاف: "لقد تدرج نظام الحكم دون أن يتغير في أسسه، من الميثاق الوطني عام 1943 الى إقرار المناصفة في مؤتمر الطائف عام 1989 مسافة ستة وأربعون عاما شهدت خضات وحروبا داخلية وإقليمية عديدة. ولكن لبنان بقي ثابتا فضلا عن قيام إسرائيل على تخومنا الجنوبية. ماذا تغير في الداخل وفي الإقليم؟ هل تغيرت الديموغرافيا في الداخل؟، ربما. ولكنها لم تنعكس ولن تنعكس بالإحتكام لأكثرية خارج القاعدة الأساسية التي قام لبنان على مبرراتها وهي العيش الواحد. وهذا له أصول إحترمها الجميع حتى الآن، بالرغم من كل شيء. أساس النظام هو هنا لأنه أساس الكيان وهو بقي مصانا، ومصانة معه مستلزمات الأساسية وهي النظام الحر، في الحريات العامة والديموقراطية السياسية التي تتضمن فصل السلطات وتداول السلطة".

واعتبر الصايغ انه "لم يتسن لنا بعد، تطبيق إتفاق الطائف بصورة طبيعية، بالأمس كانت الوصاية، واليوم إنتقاص سيادة الدولة داخليا بسبب وجود قوة مسلحة تعطل عملها والإنخراط في حروب خارجية، خلافا لرأي الدولة ورأي غالبية اللبنانيين. ولذا فإن البحث عن ثغرات يفترض أن يتم في أجواء مختلفة. وفي أي حال، واقع نظامنا هو مزيج من دستور ووفاق، هنا تكمن معظم خصائصه. الدستور يلبي حاجة الدولة، والوفاق يؤمن حاجة المجتمع المتعدد الطوائف. لذلك فإن مسؤوليات الحكم ليست دستورية فقط، والديموقراطية المعمول بها عندنا لا تنتج بالضرورة أكثرية حزبية حاكمة".

وأردف: "لذا فقد تضمن الدستور المعدل المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، إشارات واضحة الى ضرورة الأخذ بالوفاق. ولذا، وفي ما يتجاوز الثغرات المحتملة، أود التساؤل معكم حول الآتي: هل أن اللبنانيين اليوم مختلفون، منقسمون حول الأساس ؟، هل هنالك خلاف حول وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات ؟، هل هنالك خلاف حول العروبة والقضايا العربية ؟، هل هنالك خلاف حول دور لبنان ؟، هل هنالك خلاف حول الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن والمناصفة وسلامة التمثيل ؟، هل أن التحييد والإبتعاد عن الصراعات هو مطلب يمكن أن تلتقي حول مواقف الجميع ؟، هل هنالك خلاف حول طبيعة نظام الحكم، وطرح تعديلات دستورية يمكن أن تريح البعض ؟".

أضاف: "اذا كان اللبنانيون مجمعين على العيش معا، وليس لدى أي من مكوناتهم نزعات إنفصالية، فيما عدا دعوات غير مدروسة لصيغ فيدرالية، وإذا كانوا مجمعين على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، ومنضوين جميعهم تحت لواء العروبة وقضايا العرب الأساسية، وإذا كان النظام الحر هو مقصد الجميع، والإعتدال والإنفتاح هو التوجه الغالب، فعلى ماذا هو الخلاف؟"، مؤكداً "هنا تبدو المطالبات لتعديلات معينة في الإطار العادي الذي يجب أن تبدو فيه. مثل إعادة إعطاء رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات مثل حل مجلس النواب، أو إنشاء مجلس الشيوخ، أو آلية تأمين الحكومة، أو لإلغاء الطائفية السياسية، والمهلة المحددة المعطاة لرئيس الجمهورية في المادة 56 من الدستور. إن نظام الحكم اللبناني هو من أقوى أنظمة الحكم، لأنه نابع من أسس التكوين. فضلا عن صلابة المجتمع الذي كان ولا يزال الحصن الأول المنيع. أما الأزمات التي تصادفنا، والعواصف التي تسود من حولنا، فإن البحث عن طرق الحماية منها هي في مجالات أخرى".