انطلقت فكرة تحريك الملف الرئاسي منذ اكثر من شهرين، حسب معطيات معظم القوى السياسية، على يد السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل، وبالتشاور مع بعض العواصم الأوروبية، ومن بينها فرنسا التي بذلت جهودا كبيرة لحل هذا الملف، لكنها فشلت في ذلك، لأسباب قيل انها لبنانية محضة، ولعدم وجود اجواء تؤمن انتخاب رئيس توافقي من خارج المرشحين المسيحيين الأربعة.

لم تتوضح بعد الصورة حول ظروف وكيفية طرح التسوية التي يتم تداولها، لكن من الواضح انها لم تكن مدروسة بشكل يؤمن نجاحها، كما حصل في ​الانتخابات الرئاسية​ التي جعلت من ​ميشال سليمان​ رئيسا للجمهورية، مع ما رافق ذلك خلال فترة حكمه من انقلابات في مواقفه، جعلت عددا من القوى السياسية وفي طليعتها "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، يرفضان رئيسا لديه قابلية للانقلاب على الوعود او " يَتَمَسْكَن فَيَتَمَكَّن".

وتشير المعطيات المتوفرة حتى الان عند فريق "14 آذار"، الى ان التسوية متعثرة، وان كانت مواقف "​القوات اللبنانية​"، و"التيار الوطني الحر" توحي بانها ماتت، وخصوصا ان ما يتردد عن توافق دولي ومبادرة جديّة ليس دقيقا.

وانطلاقا من هذا الواقع، ومع استمرار جهود رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ لتأمين موافقة الحلفاء والخصوم على حد سواء، فان القوى المحلية تمكنت حتى الان من فرملة التسوية، ولا شيء يوحي بامكان احيائها ونجاحها مجددا، لان المعترضين عليها في "8 و14 آذار" كثر.

وترى أوساط سياسية مؤثرة وفاعلة في فريق "​8 آذار​" ان الكلام المنسوب الى عدد من المسؤولين الغربيين وبعض القوى المحلية، بأنّ عدم اجراء الانتخابات الرئاسية اليوم، وفي إطار ما هو مطروح حاليا، سيأخذ لبنان الى المجهول، هو تهويل لا يرتكز الى حقيقة، كما لا توجد أسباب تدعو الى هذا القلق.

ففي الشق الأمني، تؤكد الأوساط ذاتها ان التطورات في سوريا بعد التدخل الروسي لم تعد تداعياتها على لبنان بهذا الثقل، اذ ان "حزب الله" في الحرب السورية، ساهم في ابعاد شبح التمدد الإرهابي الى لبنان وإمكانية إقامة إمارة هنا او جَيْب هناك. وصحيح انه لا يمكن استبعاد خروق امنيةً محدودة للقوى التكفيرية على الاراضي اللبنانية، وفق الأوساط ذاتها، "لكن ذلك يمكن ان يحصل في عواصم أوروبية تملك اجهزة امنيةً اكبر بكثير من تلك الموجودة في لبنان".

اما في ما يتعلق بتعثر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسبب الفراغ الرئاسي، فترى الأوساط عينها ان "اداء قوى 14 اذار داخل الحكومة التي تشكلت في الأساس لإدارة الأزمة بشكل جدي، وطريقة معالجتها الملفات مثل النفايات والنفط، مرورا بالملفات الأمنية التي تعاملت معها الحكومة بقرارات مخالفة للدستور والقوانين، كان وراء تعطيل العمل الحكومي، وبالتالي حصول الشلل الذي نراه اليوم".

وترفض مصادر في قوى "8 آذار" مقولة ان عدم انتخاب رئيس للبلاد يمكن ان يأخذ لبنان الى المجهول او ان يعرضه لهزات امنيةً وسياسية تؤدي الى الاقتتال الداخلي، وتعتقد هذه المصادر، وخصوصا في القوى المسيحية منها، ان "ما يعرّض للبنان للخطر فعلا ليس الفراغ الرئاسي، بل غياب العدالة في التمثيل ورفض فريق من اللبنانيين الاعتراف بحقوق الآخرين، والاصرار على عدم تصحيح هذا الخلل".

وتعتقد مصادر في "التيار الوطني الحر" ان "اي طرح لا يأخذ في الاعتبار هذه المسلمات من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، ان يكتب لها النجاح".

وتقول جهات سياسية متابعة لتطورات الانتخابات الرئاسية، ان التحذيرات الأميركية الجديدة التي تبلّغتها الأطراف اللبنانية من القائم بالأعمال الأميركي في لبنان ريشارد جونز، بان الوضع اللبناني لم يعد يحتمل الفراغ، مشددا على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، مع ما رافق ذلك من دعوة الولايات المتحدة الأميركية رعاياها لتجنب السفر الى لبنان بسبب مخاوف تتعلق بأمنهم وسلامتهم، وإمكان اندلاع اعمال عنف بشكل مفاجئ في اي وقت "ليست سوى طريقة ضغط لا تستند الى اي رؤية من جانب القوى العسكرية اللبنانية ومن "حزب الله" في هذا المجال، بل العكس هو الصحيح". وتؤكد الجهات ذاتها ان "اي تطورات في هذا الخصوص ستفشلها القوى العسكرية الفاعلة على الارض اللبنانية".

اما في المقلب الاخر، فيقدم الافرقاء الذين يؤيدون نظرية تعثر الأوضاع أمنيا واقتصاديا واجتماعيا اذا لم تتم الانتخابات الرئاسية في اقرب وقت، دليلا على صدق نظريتهم "الشلل الحاصل في المؤسسات وغياب هيبة الدولة"، كما يردد في كل مناسبة رئيس الحكومة ​تمام سلام​ الذي تعكس تصريحاته تشاؤما وخوفا من حصول خضّة في البلد.

وتعتبر أوساط مؤيدة لنظرية التعثر ان "الأجواء ما زالت مهيّأة لتكرار التدهور الأمني الذي حدث عام 2008، لان تراكمات الخلافات بين الأكثرية والمعارضة ما زالت موجودة بالرغم من وجود حكومة ربط النزاع".

وتعتقد الأوساط ذاتها بإمكان اغتيال شخصية او شخصيات سياسية بارزة على يد التكفيريين، "مع وجود طابور خامس وانصار لاولئك التكفيريين، ما يمكن ان يؤدي الى قلب الطاولة رغم ادعاء البعض بان الامور ستظل ممسوكة امنيةً مهما حصل".

ولا شك في ان عدم حصول انتخابات رئاسية في لبنان ليس دليل عافية، لكن ان يؤدي هذا الخلل الى انهيار أمني واقتصادي واجتماعي، فأمر لا يزال وجهة نظر، بانتظار ما ستحمله الايام والأشهر القليلة المقبلة من تطورات.