على الرغم من سعي زعيم جبهة "النصرة" الإرهابية، ​أبو محمد الجولاني​، إلى الظهور بصورة جديدة عبر المؤتمر الصحافي الذي عرض في نهاية الأسبوع المنصرم، إلا أنه لم يأت بأي جديد يذكر، بل على العكس من ذلك أكد ما هو مؤكد لدى عارفي هذا النوع من الفصائل والمنظمات، لكنه ألغى كل محاولات تلميع صورته التي جرى العمل عليها طوال الأشهر السابقة من قبل قوى إقليمية ودولية.

من حيث المبدأ، كان الهمّ الأساسي لدى الجولاني التصدي لمؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في السعودية، خصوصاً أن تاريخ تصوير مؤتمره تزامن مع إنعقاد أعماله، في مؤشر إلى شعوره بأن هناك رغبة كبيرة في وضعه وحيداً، إلى جانب تنظيم "داعش"، على لوائح المنظمات الإرهابية، في حين يتم تبييض صفحة جماعات أخرى، مثل "جيش الإسلام" وحركة "أحرار الشام".

في هذا السياق، تعتبر مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن زعيم الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، في إطار رده على ما خرج من السعودية، أعلن الحرب على أغلب الفصائل الأخرى العاملة على أرض الواقع، من خلال وصفها بـ"الخائنة" بسبب مشاركتها في المؤتمر، ومن ثم تهديده بعدم قدرتها على فرض ما توافق عليه على عناصره، بالإضافة إلى رفضه حصول هدنة في الغوطة الشرقية، التي يسيطر عليها "جيش الإسلام" المدعوم من السعودية، في حين أن "النصرة" نفسها وقعت أخرى تتناول الأوضاع في الزبداني وكفريا والفوعة.

وتشير المصادر نفسها إلى أن الجولاني أراد أن يقول أن من يوافق، من قوى المعارضة المسلحة، على المشاركة في الحرب على الإرهاب ضمن أي تحالف سيكون بمثابة العدو لجبهته، بعد أن نفى وجود "جيش سوري حر" في البلاد، وبالتالي هو يستبق المشاورات والمؤتمرات، التي تعقد في بعض العواصم، من أجل شن هجوم على أي جهة قد تشكل خطراً على نفوذه.

وفي حين تعتبر هذه المصادر أن مواقف زعيم "النصرة"، لا يمكن أن تكون منفصلة عن رغبات القوى الإقليمية والدولية التي تقدم الدعم له، تلفت إلى أن هناك رسالة واضحة إلى الرياض، مفادها أنها لن تكون المقرر الوحيد على الأرض السورية، لا سيما بعد نقل مقر السلطة السياسية لقوى المعارضة من تركيا إلى السعودية، وتشير إلى أنها لا تنفصل عن الكلام عن توجهات حركة "أحرار الشام"، المدعومة من الجهات نفسها، التي لا يزال موقفها النهائي من البيان الختامي ل​مؤتمر الرياض​ غامضاً، وتضيف: "رغم نفي وجود أي علاقة مع تركيا وقطر لا يمكن تجاهل من كان يسعى إلى تبييض صورته في وسائل الإعلام قبل وقت قصير، ولا من يتولى حصرياً متابعة الأحداث المهمة المرتبطة بالجبهة".

على صعيد متصل، كان تأكيد الجولاني رفضه فك الإرتباط مع "القاعدة" هو من أبرز المواقف، إلا أن مواقفه أظهرت عدم تكليفه بالعمل إلا ضمن الساحة السورية، باستثناء العمليات التي تقوم بها الجبهة في الداخل اللبناني، تحت عنوان "الرد على تدخل حزب الله في الحرب"، وتشير المصادر المتابعة إلى أن إنسحاب "النصرة" من بعض المناطق والمراكز بحجة عدم جواز التعاون مع تركيا والتحالف الدولي، في محاربة تنظيم "داعش"، أمر مستغرب، خصوصاً أن زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري كان قد دعا إلى تعاون كافة الفصائل "المجاهدة" لمحاربة "العدو المشترك"، بالإضافة إلى أن "القاعدة" لا تعترف بسلطة الحكومات التي لا تطبق تعالميها ومعتقداتها، وبالتالي لم يكن من الممكن القبول بالمواقف، إلا بعد وضعها في سياق الخدمات التي تقدمها أنقرة إلى الجبهة منذ بداية الأحداث السورية.

بالعودة إلى الشق اللبناني من حديث زعيم "النصرة"، خصوصاً موضوع عمليات التبادل التي حصلت مؤخراً، ترى المصادر نفسها أن الجولاني أراد أن يستفيد من الصورة التي سعى إلى إظهارها في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى التمويه عن أهداف "القاعدة" في "بلاد الأرز"، عبر القول أن ليس هناك من مشكلة مع المؤسسة العسكرية، في حين أن تعاليم التنظيم العالمي الذي ينتمي إليه تعتبر أن كل جيوش المنطقة "كافرة" يجب محاربتها، وتطلق على ​الجيش اللبناني​ اسم "الجيش الصليبي"، وتذكر بأن الظواهري نفسه كان قد لفت، في أكثر من مناسبة لا سيما بعد عدوان تموز 2006، إلى أن لبنان "ثغر من ثغور المسلمين"، متحدثاً عن "دور محوري له في المعارك المقبلة".

وتلفت المصادر نفسها إلى أن الجولاني يكرر اليوم، ما حصل خلال المواجهات التي كانت تخوضها "القاعدة" في العراق قبل سنوات، حيث لم تكن تعطي أهمية كبيرة لسوريا، لكن عندما سنحت لها الفرصة نتيجة الفوضى تحولت سريعاً من "أرض نصرة" إلى "أرض جهاد"، وتضيف: "لا شيء يمنع تكرار الأمر نفسه في لبنان، لكن الحديث عن أن هذه التنظيمات ليس لديها مشكلة مع المؤسسات اللبنانية، أو من الممكن أن تعترف بسياسة "الحياد" أو "النأي بالنفس" أمر لا يمكن التسليم به، خصوصاً أن نشاطات كتائب "عبدالله عزام" في البلاد منذ ما قبل الأحداث السورية لا تزال حاضرة في الأذهان".

في المحصلة، سعى زعيم "النصرة"، من خلال مؤتمره الصحافي المصور مسبقاً، إلى حصر معركته في الوقت الراهن في سوريا، معلناً الحرب على كل من يخالف توجهاته في هذه الساحة من قوى المعارضة، في مقابل السعي إلى المهادنة على المستوى الإقليمي والدولي، من دون أن يقدم على فك الإرتباط مع "القاعدة"، بالتزامن مع إطلاق بعض الرسائل إلى الداخل اللبناني.