بالرغم من حركة الاتصالات والمشاورات التي تجري في السر والعلن لتعبيد الطريق أمام التسوية الرئاسية التي ما تزال تحتل مساحة واسعة تحت المجهر الداخلي، فإن المعطيات المتوافرة من الداخل والخارج تشي بأن هذه التسوية لن تبلغ الهدف المنشود منها في وقت قريب وهي باتت في حكم «الموت السريري» وتحتاج إلى جهود فوق العادة لإعادة ضخّ الحياة فيها بعد الذي تعرّضت له من قِبَل مختلف الأفرقاء في الثامن والرابع عشر من آذار، وفي ظل عدم تأمين الظروف الملائمة إقليمياً ودولياً لتظهيرها لكي تصبح واقعاً مقبولاً من الجميع.

وإذا كان البعض من السياسين الذين يحرصون على ضخّ الجرعات التفاؤلية على الخط الرئاسي يحاولون الإيحاء بأن هذه التسوية ما تزال قائمة وأن ترجمتها إلى واقع يحتاج إلى بعض الوقت، فإن مصادر سياسية متابعة ترى أن هذه التسوية قد انتهت، وأن لبنان عاد إلى مرحلة الانتظار الذي سيطول، كون أن الظروف الخارجية التي اعتقد البعض لحظة طرح هذه التسوية قد نضجت تبيّن أن العكس صحيح، إذ أن المناخات التي حالت دون ملء الشغور الرئاسي ما تزال على حالها، وأن ما جرى ربما حرّك هذا الاستحقاق إلى حدّ ما، غير أنه لم يصل إلى درجة إنجازه.

وفي تقدير المصادر أن التعقيدات التي برزت في أعقاب الكشف عن «التسوية» في أكثر من موقع تؤكد بأن مقاربة الاستحقاق الرئاسي بشكل جدّي لم يحن أوانها، وأن ذلك ربما يحتاج إلى انتظار قد يمد إلى شهور إضافية اللهم إلا إذا شهدت الاتصالات الجارية لترميم العلاقات بين الرياض وطهران تقدماً يؤدي إلى التفاهم على ملفات المنطقة ومن ضمنها الملف اللبناني المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمجريات التطورات في المنطقة. غير أن المصادر تؤكد بأن تجميد التسوية أو فشلها لا يعني نهاية المطاف أو الجلوس مكتوفي اليدين بانتظار حصول معجزات، حيث أن الاتصالات ستستمر بعد انقضاء فترة الأعياد، وأن بكركي تستعد للعب دور فعّال في هذا الاتجاه مدفوعة من الفاتيكان وفرنسا اللتين تريدان أن يكون للصرح البطريركي كلمة وازنة في ما خص ملء الشغور الرئاسي بغض النظر عن تبعثر التسوية، إذ ربما يلجأ البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي إلى التقدم باقتراح معين على الأقطاب الموارنة المعنية للخروج من المأزق وعدم تفويت الفرصة الرئاسية التي تعتبرها بكركي متاحة على المستويين الداخلي والخارجي، إما عن طريق الأخذ بالتسوية أو عبر الاتفاق على مرشح آخر، لا يكون من ضمن الاقطاب الموارنة الأربعة.

وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن الاهتمام بالشأن الرئاسي في الأسابيع المقبلة سيكون مقتصراً على الداخل اللبناني، حيث أن الأجندة الخارجية ورغم الاهتمام الذي تبديه بعض الدول بين الفينة والفينة، لم تلحظ بعد الملف اللبناني حيث أن الانشغال بملفات المنطقة يحول دون أن يحتل لبنان أي مكانة على سُلَّم أولويات دول القرار التي ترى أن حل الأزمة السياسية في لبنان يحتمل التأجيل وهو غير مستعجل قياساً لما يجري في محيطه.

وترى المصادر أن الحركة التي تسجل لبعض الدبلوماسيين وأبرزهم السفير الأميركي ريتشارد جونز تصب في خانة الحث على إنجاز الاستحقاق وعدم تفويت الفرصة المتاحة وتقديم بعض النصح في هذا المجال، غير ان الأمور لم تصل بعد إلى حدّ القول بأن التدخل الفعلي من قبل دول القرار قد بدأ، وأن العامل الإقليمي والدولي المساعد في هذا المجال قد أخذ وضعيته المطلوبة في لبنان، وهو ما يعني أن الطبخة الرئاسية على المستوى الاقليمي والدولي لم تنضح بعد.

وتجزم المصادر بأن أي تسوية تطرح لن يكون مكتوباً لها الإنجاح قبل اتضاح معالم الصور المستقبلية في سوريا، وما لم ترمم الجسور ما بين المملكة العربية السعودية وإيران، وفي حال تأمنت هذه المعطيات فإن أي تسوية رئاسية لن تكون منفردة أي مختصة بالفراغ الرئاسي، بل ستكون شاملة إن على مستوى الحكومة رئاسة ووزراء وتوزيع حقائب أو على مستوى قانون الانتخاب، وأن أي توجه مغاير لهذه المعادلة سيجعل تمرير أي تفاهم أو تسوية صعب المنال،وهذا يعود إلى الثقة المفقودة بين القوى السياسية والتي تجعل كل فريق ينتظر الآخر على الكوع.