اقترب زمن الميلاد. تزيّن الصرح البطريركي بأجواء العيد، ولكن العيدية ستتأخر، لينتقل انتظارها الى العام المقبل الذي تأمل بكركي، كما جميع اللبنانيين بأن يحمل الحلول للملفات المعلقة ويكون على قدر آمال اللبنانيين.

في الأيام الأخيرة، يسمع زائر الصرح البطريركي في بكركي، كما من يلتقي أساقفة الكنيسة المارونية عبارة واحدة تتكرر، وهي "ضرورة انهاء الشغور الرئاسي". وفي هذا السياق، لا يختلف الأمر عن العظات الرسمية التي تلقى على أبناء الرعية، إن في لبنان، ام في الخارج، ومن خلالهم الى الرأي العام الأوسع المصغي هذه الأيام لما يصدر عن رأس الكنيسة المارونية. من جهة، يقول أصحاب النيات الحسنة إن موقف بكركي يجب ان يحترم، وهو يشكّل قوة دفع إيجابية لتحريك المياه الراكدة في المستنقع الرئاسي منذ الخامس والعشرين من أيار 2014. ومن جهة ثانية، فثمة من يرغب بتثمير المواقف في هذا الاتجاه او ذاك، فيسارع من هذا المنطلق الى الباس الموقف البطريركي اكثر مما يحتمل، فينحو في اتجاه اخراج الكلمات من سياقها ووضعها في عبارات جديدة تخدم وجهة نظره.اما اوساط بكركي فتكتفي بالاجابة "ما نريد قوله سنقوله مباشرة، وهمنا الكيان والمؤسسات والاستقرار".

حتى اللحظة تشير الوقائع الى أن بكركي لم تدخل بالاسماء، وهي لن تذهب راهنا في هذا الاتجاه. كل ما في الأمر أن الكنيسة المارونية لا يمكن لها ان تقف في أي لحظة على الحياد ما بين استمرار الشغور وملئه، حتى لا يتحوّل خلو الكرسي الرئاسي، بما يمثله من رمز وموقع ونقطة ارتكاز على صعيد التوازنات المؤسساتية والميثاقية والدستورية، الى مسألة عادية يمكن التعاطي معها وكأن شيئاً لم يكن.

في الأيام الأخيرة، سجّلت حركة زوار باتجاه الصرح... وإن جاءت اللقاءت في سياق تبادل الأفكار والتفكير بصوت عال خلف جدران الصرح، فإن سيد الصرح وزواره حرصوا على ابقائها بعيدة من الاعلام، وإن خرج منها شيء الى العلن، لأن هناك عيوناً ترصد، عمل الجانبان على وضعها في اطارها الدوري والاعتيادي وغير الاستثنائي.

قبل أيام، وفي بداية الحديث عن تسوية رئاسية"، وصلت رسالة الى بكركي مفادها أن الأجواء الإقليمية والدولية تبارك هذا التوجّه، وان على الكنيسة المارونية، الحريصة على الانتخابات الرئاسية، أن تحذو حذو دول القرار التي اتفقت على الأساس، ويبقى التنفيذ.

بناء عليه، بدت تصريحات احبار الكنيسة المارونية كمن يبارك ويشجّع على السير قدماً. الاّ أن انقشاع ضباب التسريبات والأجواء التفاؤلية، أعاد المسألة الى مربعها الصحيح القائل بأن هناك فكرة طرحت، الاّ ان شيئاً لم يحسم بعد، وأن ما روّج له البعض عن دفع إقليمي ودولي، بدا كناية عن امنيات اكثر منها وقائع. حتى أن القائم بالاعمال الأميركي لم يأتي على ذكر أي اسم عند زيارته الصرح، إنما تحدّث عن ضرورة اجراء الاستحقاق الرئاسي.

من هنا، عادت بكركي خطوة الى الوراء. وهي وإن كانت وستبقى تنادي بالانتخابات الرئاسية، امس قبل اليوم، الاّ أنها غير مستعدة للتشجيع على أي دعسة ناقصة، لا تشكّل الحل الذي يضمن الدور المسيحي الفاعل على طاولة الحكم.

في الكواليس من يتحدّث عن ان بكركي وصلت الى قناعة بأن البحث في أسماء الأقطاب الأربعة بات ممراً الى الاسم الخامس. وإن كان سيد الصرح يتحدّث في المواصفات العامة، الاّ أن بعض الأساقفة يتداولون في مجالسهم بأسماء توصف بالقريبة من بكركي، ويتساءلون عن أسباب عدم الاتفاق على احدها. ولكن، وبعد التدقيق، يتبيّن أن كل ما يطرح من هذا القبيل، لا يشكّل سوى اراء شخصية لا تلزم بكركي بشيء، خصوصاً أن لا حيثية تمثيلية لأي من هذه الأسماء، وانه يمكن طرحها لتلعب دوراً في احدى المؤسسات الكنسية، لا لشغل المنصب الأول في الجمهورية.

وتشير أوساط بكركي الى أنه آن الأوان للتفكير في مخارج جدّية. فلا يمكن البقاء مكتوفي الايدي امام الأبواب المقفلة على الحلول، وعلى الكتل الممثلة للمسيحيين ان تفكر في شكل تشاوري مع بعضها البعض في كيفية الخروج من هذا المأزق، حتى لا تخسر الدنيا والآخرة اذا ما استمر عداد الشغور في ازدياد.

لقاء الأقطاب الأربعة

قبيل توجهه في زيارته الرعوية والرسمية الى مصر، حاول الراعي جمع الأقطاب الموارنة الأربعة في بكركي. لم تسمح الظروف في ذلك، فعزم على تكرار المحاولة بعد عودته. ووفق معلومات "البلد" فإن دوائر الصرح ستتواصل في الساعات المقبلة، مباشرة او عبر القنوات المعتمدة، لجس نبض القيادات في امكان اللقاء في بكركي. يطرح البعض على هذا الصعيد الأيام الفاصلة عن نهاية العام، ما بين الميلاد وراس السنة، موعداً لذلك. الاّ أن ما رشح من معلومات حتى الساعة، يفيد بأن المعنيين لا يرغبون بمجرد لقاء من اجل الصورة. فطالما أن التواصل مع بكركي قائم ودائم، فلا حاجة لاعطاء الأمور صبغة رسمية وإعلامية، قد لا تأتي نتائجها على قدر الآمال. وتشير المعطيات الى أن سيد الصرح نفسه غير بعيد عن وجهة النظر هذه.

في الكواليس، يستمر التواصل المسيحي المسيحي. والشغل ماشي على خط الرابية ومعراب. تبارك بكركي وتدعم كل خطوة تلاق في سياق تأييدها لما يجمع ولا يفرق ويعزز الحضور والدور في سياق استعادة التوازن والشراكة على المستوى الوطني.

اما بعد، لا تزال بكركي تريد الرئيس صاحب التمثيل والمعبر عن وجدان جماعته وبيئته. فهي لم تتراجع عن المذكرة الوطنية التي اعلنتها قبل اشهر ولا تزال ترى فيها دستور المواصفات الرئاسية.