سألني أَحدُهم قائلاً: "لِمَ لَم تُزيِّن كنيستك بَعد؟"، فأجبتُه قائلاً: "زينَةُ كنيستي أبناؤها فإن خَفت نورُهم وصار ظلاماً، ما عادَ بِمقدورِ أيّ نورٍ اصطناعيٍّ، مَهما بلغ حجمُه وطاقته، أنَّ يُضيئهم، ذلِك أنَّ النور الذي فيهم هو من مصدر آخر، سماوي، وبالتالي لا شيء يوازيه أو يحلّ محلّه".

لستُ بغاضبٍ على الأضواء الإصطناعيّة، والتي في مُعظَم الأحيان لا تقود إلى أبعدِ منها، ولا أُريد من القارىء أن يفهم ذلك، ولكنّني أرغبُ بقوَّةٍ في أن أشُدَّ الإنتباه إلى النور الحقيقي الذي صار إنساناً، "فأضاءَ نورُهُ في قُلوبِنا لِتُشرِقَ مَعرِفَةُ مَجدِ اللهِ، ذلِكَ المَجدِ الذي على وَجهِ يَسوعَ المَسيحِ"(2كور46)، وأن أُبِهرَ الأَنظار بهذا النور السماوي الذي لا يفوقُه نور، ولا تقَوى عليه ظُلمَة(يو15).

يُضيْء يسوعُ المسيح على البشريةِ "كنورِ الصباح كشمسِ صباحٍ لا غيمَ فيهِ"(2صم234). إنّهُ نورُ مَجدِ الرّب(2كور46) الذي أشرق على الرُعاةِ في بيتَ لَحم(لو29)، وبَشَّرَهُم بِفَرَحِ عَظيم:" وُلِدَ لَكُمُ اليومَ مُخَلِّص"(لو210-11).

هي الكلمات الأولى التي نَطقَ بِها الملائِكَة "وُلِدَ لَكُم مُخَلِّص"، فهذا النور الذي أتى والآتي على الدوام، هو مُخلِّصُ ومُحرِّر كلِّ البشر، بدون استثناء، على الدوام. و"اليوم" هو مُخلِّصٌ من ظُلمة الموت، الشعب السالك في الظلمة، وبهذا المَعنى كتب القديس غريغوريوس النيصي: "مَريضةً، كانت طبيعتنا تَطلبُ الشِفاء؛ وساقِطَةً؛... ومَيتةً... كُنَّا فَقدنا امتلاكَ الخير، فكانَ لا بُدَّ مِن إعادَتِهِ إلينا، وكُنّا غارقينَ في الظُلُماتِ فكانَ لا بُدَّ مِن رَفعِنا إلى النور؛ وكُنّا أسرى ننتَظِرُ مُخَلِّصاً؛ وسُجَناءَ ننتظِرُ عَوناً؛ وعبيداً ننتظِرُ مُحَرِّراً".

جاء النور إلى العالَم، لكي يُبصِرَ الذين لا يُبصرون، هذا ما قالَه يسوعُ عن نفسِه: "أنا النور، جِئتُ إلى العالَم لِكي لا يبقى في الظُلمَة كُلُّ مَن يؤمِنُ بي"(يو1246). يسوعُ هو النور، لا النور الطبيعيّ وحَسبُ، بل النور الفائق الطبيعة الذي يُرشِدُ البَشَرَ إلى معرفة الله الآب، فيُطيعونَه سالكينَ سلوكَ "أبناءِ النور"(أف58) في "البرِّ والصلاحِ والتَقوى والمَحَبّة والحقّ"(أف59-14).

ولِدَ يسوع النور. وهذا النورُ سيُطفىء سِراج الشّرير ونوره(إيوب185)، وسيُشرق في الأماكِنِ التي تتحَكَّمُ بِها قِوى الظلام؛ في لبنان والعراق وسوريا وفلسطين، في أوروبا وكلِّ أصقاع الأرض التي تُعاني وتتألم وتُنازع. سيُشرِقُ في البلدان التي تُعاني من الحروب الصامتَة، حروب الجوع والعَطَشِ والعري والبرد والجهل. سَيُشرِق في القلوب التي تُعاني من حالَةِ التَصَحَّر الروحي والإنساني ومن اللامبالاة، وفي الأماكِن الذليلَة والمتواضِعَة والحقيرة، حيثُ لا حياة ولا فرح ولا ابتسامة. سيُشرق حتماً لأن رحمة الله ستفتقدُ البشرية لا محالة، هذا هو إيماني، فأنا أؤمن بالنور، لذا لا راية سوداء ولا عُصبة ولا شعار ولا مشاهد مُرَوّعة، سيكون بإمكانها أن تنتصر على هذا الإيمان، لأَن النور الذي أؤمن به سيُطفىء نور الأشرار، ليُضيء علينا كنور الصباح الذي لا ينتهي.