حمل الكلام الذي صدر عن الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد اغتيال اسرائيل لعميد الأسرى المحرّرين ​سمير القنطار​، تهديداً واضحاً وصريحاً بأنّ الرد آت لا محال، ولا مجال لعدم اعتماده، وأنّه سلك طريقه نحو التنفيذ.

هذا الأمر أثار بطبيعة الحال استنفاراً اسرائيلياً، كما ترك المجال امام العديد من السيناريوهات والتوقعات تناولها عدد من الزملاء في لبنان وخارجه. الا ان البعض من المحليين وصل به الامر الى التخوف من امكان حصول مواجهة او حرب مفتوحة بين لبنان واسرائيل بسبب الرد المنتظر من قبل "حزب الله".

في الواقع، لا يمكن الذهاب الى هذا الحد من التوقعات، لانه وبعيداً عن المنجمين والمبصرين وخدعهم التي يتحفوننا بها بشكل يومي، تفيد القراءات البسيطة للاوضاع والتطورات بأن الحرب او حتى المواجهة المفتوحة لا مكان لها حالياً في قاموس المنطقة، وذلك لاسباب كثيرة نكتفي بذكر البعض منها:

1- ليس الحزب في وارد التهور في رده، فهو صحيح انه حدد منذ فترة من الزمن قواعد للمواجهة مع اسرائيل بالرد على كل اغتيال لاحد عناصره او كوادره، لكنه يعي تماماً ان هناك مسؤولية تقع على كاهله ويرد وفقها. ناهيك عن ان القنطار كان قيمة معنوية، فيما عماد مغنية كان قيمة ميدانية في التخطيط والاستراتيجية والقيادة، ونجله ايضاً كان قيمة معنوية مهمة ولم يؤد اغتيالهما الى اي مواجهة مفتوحة او حرباً بالمعنى المعروف للكلمة.

2- مقابل عدم تهور الحزب، هناك ايضاً عدم تهور من قبل اسرائيل التي تعرف جيداً ان الاسباب المقبولة لاندلاع حرب لا تشمل عملية انتقامية لـ"حزب الله" محدودة الزمان والمكان، على غرار ما حصل بعد اغتيال نجل مغنية والجنرال الايراني محمد علي الله دادي.

3- لا يتجه الوضع في المنطقة حالياً نحو التدهور، بل على العكس فإن الاتجاه هو نحو التسوية، التي وان طال امدها، الا انها سلكت طريقها وتبقى التفاصيل التي تعيق تقدمها بسرعة قائمة، لكنها لم توقفها. وبالتالي، فإن اي قرار باعاقة هذا التقدم بشكل كلي او رئيسي، هو قرار في غير محله.

4- ان تواجد ​روسيا​ بقوة في سوريا، جعلها شريكة اساسية في كل قرار يخص المنطقة، وبالتالي فإن قرار اندلاع مواجهة او حرب بين "حزب الله" واسرائيل، لا يمكن ان يتخذ دون موافقة روسية، اقلّه في ظل التواجد الكثيف واليومي للطيران الروسي فوق سوريا، وفي ظل التوتر القائم بين انقرة وموسكو، اضافة الى التنسيق العالي بين اسرائيل وروسيا (حتى ان البعض ذهب الى حد القول ان قرار اغتيال القنطار كان بمعرفة روسية وبغض نظر من قبل موسكو).

ولا شك ان قراراً دولياً بحصول مثل هذه المواجهة غير متوافر لا في الغرب ولا في الشرق، فلا الدول العربية الخليجية معنية بلعب دور في الحرب رغم عدم رضاها عن "حزب الله" ودوره، ولا اوروبا واميركا في وارد الانتقال من الحرب على "داعش" الى محور آخر سيؤدي حتماً الى شرخ كبير في العلاقات في ما بين هذه الدول، نظراً الى عدم وجود ارضيّة مشتركة للتعاطي مع هذه الحرب فيما لو اندلعت.

5- تحول "حزب الله" بفعل الدور الذي لعبه في سوريا الى لاعب اقليمي ولو انه لا يزال تحت الظل الايراني، وبالتالي فإن دوره الجديد يفرض عليه التعاطي مع الامور بمنظار آخر، دون ان يعني ذلك التخلي عن فرض هيبته وابقاء الهالة التي كسبها خلال المواجهات مع اسرائيل، على حالها.

لكلّ هذه الاسباب، وغيرها طبعاً، من غير المنطقي القول ان حرباً قريبة ستندلع بسبب الرد الذي سيقوم به "حزب الله" على اغتيال القنطار.