بعد صمت طويل فتح الباب لكل أنواع الإجتهادات السياسيّة والإعلاميّة المُتضاربة، أعلن رئيس المجلس السياسي في "حزب الله"، السيّد إبراهيم أمين السيّد، ومن بكركي بالتحديد، إلتزام "الحزب" بالعماد ميشال عون مُرشّحًا لرئاسة الجمهوريّة، فارتاح مُحبّو "الجنرال" مثلهم مثل كلّ المُعارضين لمحاولات إيصال النائب ​سليمان فرنجية​ إلى قصر بعبدا. فهل سينسحب فرنجيّة من السباق الرئاسي نتيجة هذا الموقف الذي وُصف في الإعلام بالتحوّل الفاصل بالنسبة إلى مصير ما إصطلح على تسميته بتسوية فرنجيّة الرئاسيّة؟

كلّ المُعطيات تؤكّد العكس، حيث أنّ رئيس "تيّار المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ مُستمرّ في محاولات التسويق لمبادرته محلّيًا ودوليًّا، وهو مُصمّم على إبقائها محطّ نقاش في الفترة المُقبلة، في محاولة منه للضغط باتجاه دفع القوى السياسيّة إلى إيجاد البديل المُناسب لحلّ أزمة الشغور، خاصة وأنّ العديد من الأطراف الداخليّة وفي طليعتهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، والعديد من الدول الغربيّة، باتت أكثر إصرارًا من أيّ وقت مضى على إنجاز الإستحقاق الرئاسي بأقرب فرصة مُمكنة. والمعلومات تُشير إلى رفض "تيّار المُستقبل" الرُضوخ لمحاولات إعادة إحياء طرح إسم العماد عون للرئاسة، حيث يعتبر أنّ هذا الطرح قد سقط بمرور الزمن بعد 32 جلسة إنتخابيّة فاشلة على مدى أكثر من سنة ونصف السنة من المحاولات والمبادرات ومحاولات التوسّط. ورفض "تيّار المُستقبل" يشمل أيضًا مُحاولات حرمانه من القدرة على المُبادرة وعلى التأثير في الحراك السياسي الداخلي عُمومًا وفي ما خصّ الإستحقاق الرئاسي بالتحديد.

وبالنسبة إلى النائب فرنجيّة، فهو بدوره مُصمّم على إبقاء إسمه مطروحًا بقوّة لمنصب الرئاسة في المرحلة المُقبلة، حتى لو إستمرّ الفشل في إتمام الإستحقاق قائمًا خلال جلسات الإنتخاب المُستقبليّة، وأوّلها جلسة الخميس المُقبل في السابع من كانون الثاني الحالي. وتفسير "بنشعي" لموقف وفد "حزب الله" الأخير من بكركي يختلف عن تفسير "الرابية" من حيث القراءة السياسيّة. وفي هذا السياق، تُشير المعلومات إلى أنّ "تيّار المردة" يعتبر أنّ "الحزب" لم يُسقط "تسوية فرنجيّة" كما يُحاول البعض الإيحاء به، ويرى أنّه لو أراد "حزب الله" ذلك، لصدر موقف واضح برفض المُبادرة من أساسها على لسان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، ولكان طُلب من فرنجيّة عبر موفدين خاصين، الإنسحاب من المُبادرة. وتشير المعلومات أيضاً إلى أنّ "تيّار المردة" يحرص على التأكيد أنّ ما جزمه رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" من بكركي، ينحصر في رفض "الحزب" الضغط على "الجنرال" لدفعه إلى تغيير موقفه من المُبادرة، لكنّه لم يُقفل الباب على أيّ حلّ يمرّ عبر بوّابة الرابية. وبالتالي، يعتقد "تيّار المردة" أنّ كلّ الإحتمالات تبقى واردة في حال إقناع العماد عون بالإنسحاب من المعركة في المُستقبل، عبر تسوية شاملة تُلبّي جزءًا من مطالب "التيار الوطني الحُر" المتُعدّدة، أو حتى في حال فرضت التطوّرات المحلّية والإقليميّة تغييرًا في إستراتيجيّة المُواجهة التي تعتمدها قوى "8 آذار".

وأمام هذه الوقائع، من المُتوقّع أنّ تبقى الأمور تدور في حلقة مُفرغة في الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة، حيث لا بوادر لإنسحاب وشيك للعماد عون من المعركة، ولا بوادر أيضًا لتراجع النائب الحريري عن طرحه أو لتراجع النائب فرنجيّة عن طموحه الرئاسي. وبالتالي، من المُتوقّع أن نشهد المزيد من الجلسات الإنتخابيّة الفاشلة، في إنتظار تطوّرات كبرى، إن محلّية أو إقليميّة، قد تترك إنعكاسات حاسمة على الوضع الداخلي القائم. وفي الإنتظار، سيتمّ تعبئة الوقت المُستقطع بكثير من المواقف المُطالبة بحلّ مُعضلة الرئاسة، وببعض المحاولات الرامية إلى التوافق على رئيس مُشترك بين مختلف الزعامات المسيحيّة، لكنّ مصير هذه المُطالبات والمُحاولات المُرتقبة لن يكون أفضل حالاً من سواها.