بعيداً عن سخافات "المُنجّمين" الذين أصبحوا يعتمدون أسلوبًا جديداً من الخِداع يَقضي بسرقة بعض تحليلات الصحافيّين، وبرمي مئات "التنبّؤات" المزعومة لإرباك المُشاهدين ولإضاعة الحقيقة وللسماح لمُفبركي التحقيقات المُصوّرة "تركيب" بعض المشاهد على بعض العبارات المَطّاطة والتي تحمل أكثر من معنى، لا بُدّ مع بداية العام الجديد من تحليل ما ينتظرنا داخليًّا وخارجيّاً إنطلاقًا من المُعطيات الموجودة حاليًا، وكذلك من تقديرات الخبراء في مجالات السياسة والأمن والإقتصاد، إلخ.

في لبنان، الموضوع الأبرز في العام 2016 سيَبقى إستمرار الشغور الرئاسي، مع كل إنعكاساته السلبيّة على مُجمل واقع الحُكم وانتظام المُؤسّسات. ومن المُتوقّع أن يُحاول "تيّار المُستقبل" تحريك موضوع الإنتخابات، مُستفيدًا من دعم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يرغب بإنهاء الشغور بأي وسيلة، ومن إمتعاض الرأي العام من إستمرار حال الشلل، وكذلك من مُوافقة رئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجيّة على مُلاقاته إلى مُنتصف الطريق، مع الإشارة إلى أنّ المُعطيات الحاليّة لا تعد بحُصول أيّ خرق في هذا المجال، في ظلّ إستمرار رفض رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون لمحاولات الإلتفاف على ترشيحه، وقيام "حزب الله" بمؤازرته. وربطًا بالملفّ الرئاسي المُتعثّر، ستعود المُطالبات والمساعي الرامية إلى إعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء، حيث أنّ إستمرار حال الشلل في السلطة التنفيذيّة سينعكس مزيدًا من التدهور على مُختلف الصعد، في الوقت الذي من المُتوقّع أن يضغط فيه العماد عون لتقديم موعد الإنتخابات النيابيّة أو على الأقلّ للتوافق على قانون إنتخابي حديث. إشارة إلى أنّ موعد الإنتخابات النيابية مُحدّد في 20 حزيران 2017(1)، بينما موعد إجراء الإنتخابات البلديّة والإختياريّة المُفترض هو الربيع المُقبل(2)، علمًا أنّ بعض الجهات السياسيّة ترفض رفضًا قاطعًا إرجاء هذا الملف الحيوي، بينما تُوجد جهات أخرى غير مُتحمّسة لها وتعمل بشكل سرّي لتأجيلها، ما سيُثير شدّ حبال سياسيّاً قاسيًا. ومن ضُمن المَواضيع الشائكة التي ستعود إلى الواجهة مسألة التعيينات الأمنيّة، حيث يُنتظر أن تنتهي الولاية الثانية المُمدّدة لقائد الجيش العماد ​جان قهوجي​ في 30 أيلول المُقبل، علمًا أنّ مناصب أمنيّة حسّاسة أخرى ستشغر في العام الحالي أيضًا، ما سيفتح معارك سياسيّة-إعلاميّة-قضائيّة عدّة، خاصة بين "التيار الوطني الحُر" وداعمي التمديد حتى حلّ قضيّة الرئاسة.

أمنيًّا، ستبقى سياسة الأمن الإستباقي مُطبّقة بفعالية، مع عدم إستبعاد حُصول ثغرات مُتفرّقة، نتيجة وُجود العديد من الخلايا الصغيرة التي تعمل بشكل مُستقلّ والتي تحاول ضرب حال الإستقرار الأمني عبر تنفيذ تفجيرات إرهابيّة. ومن المُنتظر أيضًا أن تعود مسألة سلاح "حزب الله" وضرورة حصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة إلى الواجهة من جديد، ما أن يُنفّذ "حزب الله" ردّه العسكري على إغتيال المسؤول-الرمز في "الحزب" ​سمير القنطار​، والذي صار قريبًا جدًّا حيث أنّ المسألة مُرتبطة فقط بأن تسنح الفرصة الميدانية المُؤاتية.

قضائيًّا، من المُتوقّع أن يُثير موضوعان الكثير من الجدل، حيث أنّ الحكم النهائي في قضيّة الوزير السابق ​ميشال سماحة​ صار قريبًا، والإتجاه هو لطيّ هذا الملف، الأمر الذي سيتسبّب باعتراضات سياسيّة وشعبيّة. ومن المُتوقّع أيضًا أنّ يتسبّب إبتزاز تنظيم "داعش" الإرهابي في ملفّ العسكريّين المخطوفين لديه، لجهة مُطالبته المحسومة بالإفراج عن الموقوف ​أحمد الأسير​ ضمن أيّ صفقة محتملة لفك أسر العسكريّين، في ردّات فعل شعبيّة غاضبة ورافضة لأيّ رضوخ في هذا المجال. إقتصاديًّا، موضوع إستخراج الغاز ومُشتقات النفط من المياه الإقليميّة اللبنانيّة سيُصبح محلّ جدل أكثر من السابق لكن من دون توقّع إجراءات عمليّة مُهمّة في هذا السياق. كما أنّ إحتمال خفض التصنيف الإئتماني للبنان غير مُستبعد، نتيجة الضغوط الدَوليّة التي تُمارسها الولايات المتحدة الأميركيّة على الكثير من الأنظمة والجماعات المُناهضة لها، ومنها "حزب الله"، الأمر الذي تُحاول المصارف اللبنانيّة تجنّبه عبر إجراءات إلتفافيّة. ومن بين المَواضيع التي ستبقى محلّ جدل لبنانيًّا، مسألة النفايات التي وإن جرى ترحيلها من دون مشاكل، ستواجه إنتقادات عدّة بسبب الكلفة المُرتفعة، مع عودة مُنتظرة لبعض جماعات الحراك المدني لكن بنتائج فاشلة وعكسيّة، تمامًا كما حصل في العام 2015 الماضي!

إقليميًا، سيكون السباق بين المعارك العسكريّة والجهود السلميّة لوقف الحرب على أشدّه في سوريا، حيث يُنتظر أن تتواصل هجمات الجيش السوري مدعومًا من قبل روسيا والقوى الحليفة الأخرى، لتثبيت الخط الإستراتيجي التي تصبّ كلّ المعارك التي يخوضها النظام منذ سنتين حتى اليوم في إطار تحصينه، بهدف تعزيز موقفه التفاوضي. لكن، وعلى الرغم من التقدّم البطيء الذي سيستمرّ الجيش السوري بتحقيقه مُستفيدًا من الدعم الذي يلقاه، فإنّ الحرب في سوريا لن تتوقّف، وفرص التوصّل إلى تسوية خلال الأشهر القليلة المُقبلة مُستبعدة جدًّا. وفي العراق، ستستمرّ المعركة على تنظيم "داعش" الذي من المُتوقّع أن يخسر المزيد من الأراضي التي يُسيطر عليها، حيث يُوجد إجماع على إستمرار إضعافه، لكنّ المسألة تحتاج إلى نفس طويل، حيث أنّ هذه الظاهرة الإرهابيّة لن تنتهي فُصولاً في العام 2016 بسبب كثرة عديد التنظيم المُسلّح وإستمرار الدعم الذي يَلقاهُ. وفي اليمن، فإنّ محاولات إنهاء النزاع ستصطدم بإستمرار الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية، حيث أنّ الطرفين مُصرّان على عدم تقديم أيّ تنازلات، الأمر الذي سيَفتح الباب أمام المزيد من المواجهات العسكرية، علماً أنّ الرياض تأمل إسقاط صنعاء في الأشهر القليلة المُقبلة لقلب موازين القوى لصالحها، بينما تأمل طهران أن يُؤدّي النزفان الأمني والإقتصادي اللذان تُسبّبهما جماعة "​أنصار الله​" المدعومة منها للخليجيّين، إلى تراجع هؤلاء عن كثير من مطالبهم. وجاءت إرتدادات إعدام الشيخ الشيعي السعودي نمر باقر النمر، لتصبّ الزيت على النار ولتعد بمزيد من التصعيد المُتبادل.

دَوليًّا، الحدث الأبرز المُنتظر هذا العام يتمثّل في الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة التي ستُنظّم في 8 تشرين الثاني 2016، حيث يتطلّع العالم إلى الشخصيّة التي ستخلف الرئيس ​باراك أوباما​ وإلى السياسة الخارجيّة التي ستنتهجها في المناطق الساخنة في العالم، مع كل إحتمالات عودة الصراع بالواسطة بين واشنطن وموسكو في تكرار شبيه بفترة "الحرب الباردة" بين الطرفين.

(1)في تشرين الثاني 2014 أقرّ مجلس النوّاب قانون التمديد للمجلس النيابي بأكثريّة 95 صوتًا من أصل 97 حضروا الجلسة.

(2)يتجاوز عدد البلديّات في لبنان الألف بلديّة، وقد صار عدد المحلول منها بفعل إستقالة أكثر من نصف عدد الأعضاء نحو مئة بلديّة.