في نهاية العام المنصرم، خرج زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي ​أبو بكر البغدادي​، في تسجيل صوتي هدد فيه إسرائيل والسعودية، في خطوة فُسرت بأن الرجل يقدم الخدمات من خلالها، بهدف إستدعاء تل أبيب والرياض من أجل المشاركة في الحرب على الإرهاب، بعد أن كانت الأولى تعاني من أزمة على الصعيد الداخلي نتيجة عمليات الطعن في الضفة الغربية، في حين أن الثانية أعلنت تشكيل ​التحالف الإسلامي​ العسكري، الذي كان بحاجة إلى شرعية تأتي عبر الإعلان عن مخاطر حقيقية تواجهها.

على ما يبدو، التنظيم الأخطر على مستوى العالم، في الوقت الراهن، لم ينتظر طويلاً حتى ينتقل إلى مرحلة التنفيذ العملي، من خلال الهجوم على حافلة تنقل سياحًا إسرائيليين في العاصمة المصرية القاهرة، ومن ثم إستهداف قاعدة بعشيقة العسكرية في محافظة نينوى العراقية، التي تنتشر فيها قوات تركية ترفض أنقرة سحبها من البلاد بالرغم من إعتراضات حكومة بغداد الشديد، الذي تم التعبير عنه عبر إجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب بصورة عاجلة، والتهديد بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.

في الآونة الأخيرة، كان الجميع يدرك بأن الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ بحاجة إلى أي هجوم ضد بلاده من قبل "داعش"، ينفي من خلاله الإتهامات التي وجهت له من قبل العديد من الدول، لا سيما روسيا، بدعم المنظمات الإرهابية المتطرفة في المنطقة، بالتزامن مع "شرعنة" وجوده في العراق، الذي كان يتمنى لو يستطيع نقله إلى الداخل السوري، الأمر الذي تُرجم من خلال مسارعته إلى التأكيد بأن الهجوم على القاعدة في بعشيقة يبرّر نشر القوة التركية هناك، لا بل الذهاب بعيداً عبر التأكيد بأن الهدف منها حماية الأمن القومي التركي، ما يُكسبه تعاطفاً يحتاج له على المستوى الإقليمي والدولي، في وقت هو لم يتردد لحظة في تعزيز تحالفاته عبر إعادة تثبيت العلاقة مع المملكة العربية السعودية من جهة، والعمل على معالجة الأزمة القديمة مع الحكومة الإسرائيلية من جهة ثانية.

في الوقت عينه، كانت تل أبيب بحاجة إلى تنفيذ التهديدات التي أطلقها البغدادي ضدها، للإستفادة منها على الصعيد الترويجي في المحافل الدولية، عبر تقديم نفسها كَمُسْتَهْدَفة من التنظيم الإرهابي، الذي لم يرتكب أي هجوم يذكر داخل الأراضي الفلسطينية، بل على العكس من ذلك تعتبر إسرائيل أكبر المستفيدين من الحروب الداخلية التي يشعلها في البلدان المجاورة لها، ليأتي الهجوم على حافلة السياح الإسرائيليين في العاصمة المصرية، كـ"خدمة" إضافية تُقَدَّم إليها، للقول بأنها مستهدفة من الجماعات التكفيرية، وبالتالي من المفترض أن تشملها الجهود الدولية والإقليمية القائمة على هذا الصعيد، لكن وفق تصنيفها الذي لا يستثني حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، لا بل يشمل عمليّات الطعن التي تُنَفَّذ بالضفة الغربية، وربما يكون مُقَدمة لقيامها بعمليات عسكرية مختلفة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، التي يقع على رأسها الجولان السوري المحتل.

البغدادي أو من يقف خلفه، لم يستثنِ السعودية من التهديدات تبدو وكأنّها استدعاءٌ لها للدخول المباشر في الحرب على الإرهاب، الأمر الذي قد يترجم في المرحلة المقبلة عبر إستهدافها مرة جديدة بعمل إرهابي يسارع "داعش" إلى تبنيه، في وقت عمدت الرياض مؤخراً إلى إعدام الشيخ ​نمر النمر​، في خطوة أدّت إلى رفع منسوب التوتر المذهبي في المنطقة، وتبعتها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية في إيران، الأمر الذي يقع مباشرة في خدمة الجماعات المتطرفة التي تعيش على وقع الأزمات الطائفية والمذهبية، كونها تقدم لها الخطاب الترويجي والتجنيدي الذي تحتاج إليه.

في المحصّلة، وانطلاقاً من كلّ ما سبق، تُطرَح علامات استفهام حول التناغم بين تهديدات وعمليات "داعش" والمخططات الكبرى التي ترسم على مستوى المنطقة، في مؤشر يؤكد مرة جديدة أن التنظيم ليس إلا شركة مساهمة تستفيد منها الدول، لتحقيق مصالحها على مستوى الشرق الأوسط، حتى ولو كان ذلك يؤدي إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى وتدمير مقدرات البلدان التي يتواجد فيها، فالجرائم التي تستهدف الإنسانية وحقوق الإنسان، تُصنّف كما يحلو لمن يمتلك القوة الإعلامية والقانونية على مستوى العالم، والإرهاب ليس هناك من تعريف واحد له على المستوى الدولي.