إنقضت مهلة المئة اليوم التي حُكي عنها الكثير في ما خصّ نتائج التدخّل العسكري الروسي في سوريا الذي كان قد بدأ في 30 أيلول، والذي هو الأوّل من نوعه خارج دول الإتحاد السوفياتي السابق منذ إجتياح أفغانستان في العام 1979. فهل حقّقت ​روسيا​ أهدافها؟

بالنسبة إلى الهدف المُعلن من قبل القيادة الروسية، وتحديدًا من قبل الرئيس فلاديمير بوتين شخصيّاً، بتدمير تنظيم "داعش" الإرهابي، فالنتائج المُحقّقة حتى اليوم ضعيفة وشبيهة بتلك التي تُحقّقها الضربات الجويّة التي تنفّذها طائرات أميركيّة وغربيّة مختلفة. وباستثناء إستهداف البنية التحتيّة الخاصة بتصدير النفط السوري والتي كان التنظيم المزعوم يُسخّرها لتمويل نفسه، لم يتسبّب الطيران الروسي بأذى كبير لها، علمًا أنّ نسبة الغارات على مواقع ومراكز "داعش" بلغت 15 % من مُجمل الغارات الروسيّة في سوريا، وذلك بحسب إحصاءات لمصادر أوروبيّة، بينما تعتبر واشنطن أنّ هذه النسبة لا تتجاوز 10 % فقط. إشارة أيضًا إلى أنّ المواقع التي خسرها التنظيم الإرهابي في سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية محدودة جدًا نسبة إلى تلك التي خسرها في ​العراق​ حيث لا علاقة للطيران الروسي بمُجريات المعارك هناك.

بالنسبة إلى الأهداف غير المُعلنة من قبل القيادة الروسية، فهي تسير بثبات كما هو مرسوم لها، ولوّ أن بعضها يتقدّم بوتيرة أبطأ مِمّا كان مُتوقّعًا. وفي هذا السياق، نجح التدخّل العسكري الروسي في فرض ما يلي:

أوّلاً: إضعاف دور واشنطن وكل الدول الغربيّة في سوريا بدرجة كبيرة، بالتزامن مع تعويم دور روسيا كلاعب أساسي له كلمة فاصلة في أيّ قرار أممي خاص بالحرب السوريّة أو بمفاوضات السلام بشأنها. وبالتالي صار القرار الروسي حاضرًا أكثر من أيّ وقت مضى بالنسبة إلى الأزمة السورية، في مُقابل تراجع وتضعضع القرار الأميركي والغربي عُمومًا.

ثانيًا: إعادة تعويم دور النظام السوري والرئيس بشّار الأسد عبر توفير مظلّة سياسيّة وأمنيّة مُهمّة له، بموازاة تلك التي وفّرتها ​إيران​ له، الأمر الذي عزّز موقعه التفاوضي في مُقابل إضعاف مواقع خُصومه عبر إغتيال المسؤولين من بينهم وإضعاف المُقاتلين التابعين لهم. وفي الوقت الذي تعلن فيه القيادة الروسية بشكل دَوري أنّها تُهاجم تنظيم "داعش" ومختلف التنظيمات الإرهابيّة الأخرى، تقوم مَيدانيًّا بقصف كل الجماعات المُسلّحة التي تُشكّل تهديدًا للنظام السوري ولدمشق وللساحل السوري، من دون أن تهتمّ إذا كانت إرهابية أم مُصنّفة مُعتدلة.

ثالثًا: نجحت موسكو في توفير الغطاء الجوّي والدعم اللوجستي الكبير للجيش السوري والقوى الأخرى المُقاتلة إلى جانبه، الأمر الذي مكّنهم من توسيع رقعة سيطرتهم الجغرافيّة، خاصة في ريف اللاذقيّة حيث تتركّز النسبة الأعلى من الغارات الروسيّة، وكذلك من التقدّم خطوات إضافيّة نحو فرض الدُويلة التي إصطلح على تسميتها "سوريا المُفيدة"، أي حيث تقع المُدن الرئيسة والطرقات السريعة التي تربطها بعضها ببعض، وحيث الكثافة السكّانية العالية، وحيث إدارات ومؤسّسات ومرافق الدولة الرسميّة الأساسيّة والمرافق الإقتصادية والخدماتية، إلخ.

رابعًا: تعزيز حُضور موسكو العسكري بشكل كبير في الشرق الأوسط، عبر وجودها في سوريا وفي البحر الأبيض المُتوسّط، من دون أن تصدر أيّ أصوات مُعترضة على ذلك.

خامسًا: إزاحة الإهتمام العالمي عن أزمة أوكرانيا، وإمتصاص النقمة الغربيّة التي كانت لحقت بروسيا بفعل تدخّلها العسكري هناك.

سادسًا: إقامة مركز عمليّات مشترك مع كلّ من إيران وسوريا والعراق، بحجّة مُحاربة الإرهاب، فيما الهدف الفعلي هو تمتين التحالف السياسي والعسكري المُناهض لأميركا وللدول الغربيّة، لإيجاد التوازن الإستراتيجي إقليميًّا.

في الختام، مهلة المئة يوم إنتهت، والحرب على "داعش" لا تزال في بدايتها، مع التدخّل الروسي كما قبله، لكنّ الذي تغيّر هو موقع النظام السوري التفاوضي، والذي إستفاد من الدعمين السياسي والعسكري الإيراني والروسي الكبيرين. وبالتالي، صار الحديث عن شروط مُسبقة لعقد أي جولة مُفاوضات من الماضي، وصار الحديث عن إستبعاد روسيا عن أيّ تسوية مُحتملة مُستقبلاً في خبر كان. وبالتأكيد، إنّ روسيا نجحت في تعبئة الفراغ السياسي الضخم الذي تركته أميركا عبر غسل يديها من الحرب في سوريا منذ إنطلاقها حتى اليوم، لكنّ المعركة لا تزال مفتوحة، والخُطوط العريضة لنهاية الحرب لم تتضح بعد. والرهان على تسوية في الجولة المُقبلة من المُفاوضات في غير مكانه، لأنّ موازين القوى مُختلّة حاليًا ولا تسمح بالوصول إلى تسوية مُنصفة، كما أنّها لا تسمح في الوقت عينه بحسم الأمور عسكريًا لفرض أيّ تسوية بالقوّة، ما يعني بقاء الأزمة لمزيد من الوقت.