دخل الاتفاق النووي الايراني مع الغرب حيّز التنفيذ، واقرّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخلوّ ايران من اي نشاط نووي غير سلمي، معلنةً عن اطلاق الضوء الاخضر للبدء بتنفيذ الاتفاق بين ايران وبين الغرب، وتمّ الكشف عن بنود الاتفاق وكيفية تنفيذه والالتزام به.
وفور الاعلان عن البدء بتنفيذ بنود الاتفاق، بادر الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الاعلان عن الغاء العقوبات التي كانت مفروضة على ايران منذ عقود، واردف قائلاً "لقد اعطيت اوامري للخزينة الاميركية بمباشرة الافراج عن 30 مليار دولار أميركي والسماح بتحويلها وعودتها الى الخزينة الإيرانية"، كما سمح للشركات الأميركية بابرام عقودٍ تجارية والتعامل مع ايران، علمًا أنّ ما يقارب 100 مليار دولار كانت الولايات المتحدة تحتجزها في خزينتها منذ فرض العقوبات على ايران.
عربياً، تراوحت المواقف بين مؤيد ومتحفظ، وسرعان ما اصيبت الاسواق والبورصات العربيه لا سيما الخليجية منها بالهبوط المخيف فور الاعلان عن رفع العقوبات والافراج عن مليارات ايران.
أما العدو الاسرائيلي، فأصيب بالهلع والهستيريا ما دفع حكومته وعلى لسان رئيسها بنيامين نتانياهو للاعلان عن ان اسرائيل لن تسمح لايران بحيازة السلاح النووي، في اشارة الى ان المسموح به لاسرائيل غير قابل للسماح به لغيرها.
أوروبياً، فرنسا التي كانت العقبه الكبرى بوجه انجاز الاتفاق الايراني مع الغرب اصبحت اليوم من اكثر الدول الداعمة لتنفيذه، والسبب هو وعد ايراني بابرام صفقة مع شركة "الايرباص" تحصل بموجبها ايران على اكثر من 110 من الطائرات بهدف تحديث اسطولها الجوي.
إذاً، وبعد عقودٍ من الزمن كانت خلالها ايران ترزح تحت عقوبات ظالمة، واطلاق الاحكام الجائره بحقها، وشيطنتها وابرازها بانها راعية الارهاب، وانها العقدة بوجه السلام في المنطقة، بات الاعتقاد أنّ الاتفاق بينها وبين الغرب هو الذي سيعزّز السلام في الشرق الأوسط، وفق ما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولا ننسى تصريح وزير خارجية المملكة العربية السعودي عادل الجبير في فيينا، والذي يصبّ في نفس الاتجاه، حيث قال أنّ الاتفاق النووي الإيراني سيسهم في تعزيز الأمن في المنطقة.
ها هي الجمهوريه الاسلامية الايرانية قد دخلت النادي النووي واصبحت دولة نووية سلمية بامتياز، كما اثمرت جهودها الدبلوماسية المرنة بالدفاع عن حقّها في التطور والتقدم في مجال البحث العلمي والتكنولوجي على الرغم من المعوقات الهائلة التي استُعمِلت ضدها، الا ان ايران لم تستسلم واكملت في مسيرة العلم والتقدم، وفرضت على المجتمع الدولي احترامها كدوله نتيجة اتباع سياسة الندية مع الغرب والوفاء بوعودها والتزامها بالاتفاقات المبرمة مع الغرب ومن دون تقديم اي تنازلات مجانية.
أما بعد، ان السؤال الذي يطرح نفسه وبقوه لاستكشاف مرحلة ما بعد البدء بتنفيذ الاتفاق النووي هو، ما الذي تغيّر؟ باختصار شديد نجد الجواب على هذا السؤال بكلمات معدودات، انها لعبة المصالح الاستراتيجية...
مما لا شك فيه ان ايران دخلت مرحلة جديدة في علاقاتها مع المجتمع الدولي خصوصاً بعد رفع العقوبات عنها والسماح للشركات الاجنبية بابرام صفقات تجارية لتنمية السوق الواعدة وفي شتى المجالات ما يفرض عليها نمطاً جديداً بالتعاطي مع تلك الدول الراغبة بغزو سوقها بمزيد من الانفتاح والليونة.
صحيح ان الغرب ومن خلال فتح الاسواق الايرانية سيحقق الصفقات المربحة، لكن هل الارباح التجارية وحدها هي الهدف الذي يصبو اليه؟
اننا نرى ان لعبة المصالح الاستراتيجية هي ابعد من ذلك بكثير، حيث ان للغرب مآرب اخرى وفي مقدمتها اختراق المجتمع الايراني عبر انفتاح الاسواق والتبادل التجاري وجعله اكثر ليونة وميلا للتعاطي معه ومؤيدا للحلول السلمية الهادفة لتحقيق مصالحه وبالطبع اسرائيل، وبذلك يكون هذا الغرب عموماً وتكون اميركا على وجه الخصوص قد حققت بالسلم والانفتاح ما عجزت عن تحقيقه عبر سياسة العقوبات وتشويه صورة ايران امام العالم، بعد ان باءت كل الوسائل والطرق لاختراق المجتمع الايراني بالفشل بفضل تماسك الشعب الايراني خلف قيادته ودعمه لقرارات القيادة الايرانية الداعيه لمناصرة الشعب الفلسطيني وقضيته المحقه بالتحرر من الاحتلال الصهيوني ومواجهة أميركا والوقوف بوجه اطماع الغرب بثروات المنطقة.
اننا، ومن منطلق الحرص على المكتسبات والانجازات التي حققتها الجمهورية الاسلامية الايرانية على الصعيدين الدبلوماسي والتقدم التكنولوجي، ندعو للحرص والتنبه من نوايا الغرب المغرضة التي ما فتئت بحياكة وتنفيذ المؤامرات ضد دول وشعوب المنطقة، كما نشهد في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وضدّ كل من يقف الى جانب القضية الفلسطينية ومناصرة ودعم الشعب الفلسطيني بانتفاضته ضد الاحتلال الاسرائيلي وممانعة أيّ تسويات مذلّة مع الكيان الصهيوني، وبالطبع فان الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا في طليعة تلك الدول الممانعة.
اننا نرى ان البدء بتنفيذ الاتفاق النووي الايراني مع الغرب ليس نهاية المطاف، بل ان التنفيذ هو اسدال الستار على مرحلة معينة من تعاطي المجتمع الدولي مع ايران تمهيدا للبدء بمرحلة جديده يكون عنوانها اتباع سياسة الترغيب والترهيب مع ايران بالانفتاح تارة وبفرض عقوبات جديدة ضد ايران تارة اخرى، وذلك من خلال ملفات عده منها ملف حقوق الانسان وحرية التعبير والرقابة على المصارف او اتهام ايران بالاخلال بتنفيذ الاتفاق النووي بحد ذاته.
التلويح مجددا من قبل الغرب بفرض عقوبات جديدة على ايران بتهمة العمل على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية البعيدة المدى لهو دليل واضح بان النوايا الغربية المبيتة ضد ايران لم تزل سيئة، وكل تلك الملفات من المتوقع ان ترفع بوجه ايران عند اللزوم.