من قناعة، الى اتصال، الى موعد، فلقاء فرد للزيارة... هكذا تحوّلت العلاقة على خط الرابية معراب الى رحلات مكوكية أوصلت الى شيء كبير، لم يعد مجرد مزحة او امنيات، بل يصح القول في شأنه، إن ما قبل الثامن عشر من كانون الثاني 2016 ليس كما بعده.

فمن حبة شوكولا من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ومن حبة الكستناء من الحكيم الى الجنرال، في أولى اللقاءات، الى عشرات الزيارات والمسودات والأفكار التي حملها إبراهيم كنعان وملحم الرياشي بتأن وصبر واصرار، على طريق تعبيد الأرضية المشتركة والقناعة المشتركة بأن الخلل الناجم عن الطائف يجب ان يصحح، وان الهوة يجب ان تردم. بأشهر ردم 35 سنة من الحقد والدم الذي بني عليه الطائف والممارسة الخاطئة التي لعبت على قسمة المسيحيين والاقتراع على ثوبهم في المؤسسات.

سقطت هذه المعادلة مع الثامن عشر من كانون الثاني 2016. وفي ضوء هذا المناخ الجديد، يطرح السؤال عن كيفية تعاطى سائر القوى السياسية معه، لاسيما الشريك المسلم.

وعلى هذا الصعيد، تؤكد أوساط المعنيين أن ما حصل لا يشكّل انقلاباً على الطائف، بل يهدف الى تطبيق الدستور والميثاق بشكل سليم، وتسأل "هل سيلتزم الشريك المسلم بما اعلنه سابقاً بعد الاتفاق المسيحي، او سيكشف عن نيات معروفة وغير معلنة بعرقلة أي تصحيح للخلل الناجم عن ممارسة ما بعد الطائف منذ 25 عاماً؟".

بين الرابية ومعراب من يقول اليوم "إن الجميع باتوا على المحك، بمن فيهم المسيحيون الآخرون بعد اتفاق الخزبين المسيحيين الأساسيين". وفي ضوء ما يمثّله التيار الوطني الحر في تحالفه مع قوى الثامن من آذار ، والقوات اللبنانية كأحد المكونات الأساسية في الرابع عشر من آذار، فالمعادلة الجديد تخرج من اطارها الطائفي الى بعدها السياسي والوطني، وتقدّم نموذجاً للمكونين السني والشيعي المختلفين عامودياً، للالتقاء على مساحة مشتركة على غرار ما فعله التيار والقوات.

قناعة مشتركة لا رد فعل

وعلى عكس ما يمكن ان يعتقده البعض، لم يأت ترشيح الحكيم للجنرال كرد فعل على لقاءات رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، بل نتيجة مسار من بناء الثقة والقناعات المشركة.

فالوقائع تؤكد ان الحقائق مختلفة، وأن القناعة تكوّنت، في اطار تطور مسار العلاقة بين الرابية ومعراب منذ الثاني من حزيران 2015، أن خطوة مماثلة كفيلة وحدها بإحداث الخرق الرئاسي وانهاء الشغور، وضرب اكثر من عصفور بحجر واحد: إعادة كتابة تاريخ العلاقة المسيحية-المسيحية على أساس المصارحة والمصالحة، لا التقاتل والأخطاء، ونقل المسيحيين من اطار من لا صوت له، الى الرأي المقرر والذي لا قدرة على تخطيه في التركيبة الكيانية الميثاقية الدستورية والمؤسساتية.

وعلى هذا الصعيد، تشير معلومات "البلد" الى أن، وإن شكّل الاثنين 18 كانون الثاني 2016 حدث الإعلان عن الاتفاق، فإن مضمونه كتب قبل ذلك بأيام بحبر مشترك تطلب لقاءات وزيارات وتواصل، وسط هاجسين: اتمامه، وحمايته من "عيون الحساد" الذين اكثروا من الشائعات بهدف الحرتقة عليه في الأسبوعين الأخيرين، بعدما لمسوا عبر قنواتهم، أن قطار الاتفاق بين الوطني الحر والقوات يسير على السكّة الصحيحة ولن يتوقّف.

ماذا عن مواقف الآخرين؟

وسط هذا المشهد، تتجه الأنظار الى كيفية تعاطي الكتل السياسية مع ترشيح جعجع لعون. وعلى هذا الصعيد، تتجه الأنظار الى جلسة الثامن من شباط، التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس، كمحطة ممكنة لانهاء الشغور الرئاسي، على قاعدة تأمين النصاب القانون والاصوات اللازمة لينتقل عون من الرابية الى بعبدا.

الأكيد أن مجرد تبني جعجع لترشيح عون لا يحوّله حكماً من مرشح رئاسي الى صاحب الفخامة. لكن الأكيد انها معادلة جديدة ستترك انعكاساتها على الاصطفافات السياسية ومواقف الكتل. الاشتراكي سيحدد موقفه في الأيام المقبلة بنتيجة الاتصالات التي سيقوم بها. والموقف المعلن لبري حتى اللحظة أنه سيترك اللعبة الديموقراطية بين عون وفرنجية، بينما يتحدّث المطّلعون عن أن النقطة الفاصلة على هذا الصعيد ستكون موقف حزب الله. اما بالنسبة الى المستقبل، فالمسألة مرهونة بسلّة الاتفاق ومرحلة ما بعد الانتخاب، لناحية المستقبل السياسي للنائب سعد الحريري ودور المستقبل في الحكم.

من جهة التيار والقوات، تأكيد على أنه ستكون هناك اتصالات ولقاءات مع الجميع، انطلاقاً من أن خطوة تبني القوات لترشيح عون هي خطوة للتوحيد لا للفرقة والاصطفاف وخلق محاور.

وفي هذا السياق، من المنتظر أن يحصل التواصل على خط الرابية بنشعي، وان هناك من "سيقف على خاطر" فرنجية، علماً ان معلومات "البلد" تشير الى أن فرنجية وضع في أجواء التوافق بين الرابية ومعراب. كذلك الامر بالنسبة الى الكتائب التي لن تكون خطوط الاتصال مقطوعة معها، لاسيما ان حزب الكتائب يدعو الى ملء الشغور. بينما نقل زوار الصرح البطريركي بركة بكركي لهذه الخطوة.

قبل أيام، كان سفير دولة غربية يقول في جلسة خاصة ان الاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لم يكن متوقّعاً، وان كل الحسابات السياسية كانت مبنية على اللااتفاق واستمرار التشكيك بحصوله حتى الحظات الأخيرة. قيل إن جعجع لن يرشح عون. اليوم حصل ما كان يعتبره البعض مجرد خبريات من نسج الخيال. المستبعد صار واقعاً، فهل يستفيق البعض من الصدمة ويتعاطون معه في الشكل الإيجابي المطلوب، ام تراهم يغرقون في وحول الحسابات والمواقف؟

كلها معطيات تقود الى التالي: إن الابرة والخيط السياسيين سيفعلان فعلهما في الأيام المقبلة، وحركة الكواليس ستنشط اكثر من المشهد المعلن. كل ذلك سينتظر سلّة التوافق مع الشريك المسلم وجرأته في الدخول في مسار استعادة الشراكة والدولة.

لقطات على هامش الحدث

*على هامش الحدث، سجّلت لقطات عدة، اوّلها دعوة جعجع وعون لكنعان ورياشي لالتقاط الصورة التذكارية معهما، تقديراً لدورهما على صعيد الاتفاق وتكريساً له.

*بحسب معلومات "البلد"، فإن جعجع توجّه الى عون بالقول: "عزبتنا كتير جنرال. كل ما بدك تعزّب حدن هلقد بعات إبراهيم". ليجيبه عون: " بالعكس، لمن بدنا شغلة تنجح منبعت إبراهيم ".

*قالت النائب ستريدا جعجع للعماد عون، ماذا افعل بجورج عدوان اذا عذبني؟ ليجيب عون " ما حدن بيعرفو قدي ما بينطاق". ليجبيبه عدوان ضاحكاً: "كتر خيرك نكرتني ".

*بعدما صافح الوزير جبران باسيل النائب أنطوان زهرا، قالت له النائب ستريدا جعجع، "ولو ما في بوسة..فعاد باسيل وقبّل "خصمه" في البترون".