من وجهة نظر بعض المراقبين، تشكل المباحثات القائمة بين الولايات المتحدة و​روسيا​، قبيل إنطلاق مفاوضات ​مؤتمر جنيف​ الثالث بين القوى السورية، نقطة مصيرية في مسار الأحداث، لا سيما بعد أن باتت مدعومة بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، لكن الخلافات القائمة حول تشكيل وفد المعارضة قد تعيد خلط الأوراق من جديد، خصوصاً أن تأجيل موعد المؤتمر بات أمراً محسوماً، إلا بحال حصلت مفاجآت غير متوقعة حتى الساعة.

وفي حين كان إستبعاد ​الأكراد​ عن ​مؤتمر الرياض​، الذي نتج عنه تشكيل وفد المعارضة الأول، أمراً مستغرباً، كانت الصدمة بأن الحكومة الروسية هي من تسعى إلى تأمين تمثيلهم على طاولة المفاوضات، في الوقت الذي تلتزم فيه الحكومة الأميركية، التي من المفترض بها أن تكون حليفة لهم، الصمت، بسبب عدم رغبتها في إغضاب التحالف الثلاثي، الذي يضمّ كلاً من تركيا والسعودية وقطر، وسط معلومات عن تراجع الدعم العسكري، عبر الإمتناع عن تسليم "​قوات سوريا الديمقراطية​" أسلحة ثقيلة، من الممكن أن تساعدها على تحرير المزيد من الأراضي من تنظيم "داعش" الإرهابي.

في هذا السياق، لا يفضّل مسؤول حزب "الإتحاد الديمقراطي" في أوروبا ​زوهات كوباني​، في حديث لـ"النشرة"، وضع المواقف الروسية في إطار "الغزل" بالأكراد، ويعتبر أنّ المصالح السياسية في الشرق الأوسط قد تلتقي وقد تفترق، كما هو حاصل مع قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، ويضيف: "لدى موسكو مصالح مع الأكراد، خصوصاً أنّ الفريق الآخر مدعومٌ من تركيا، التي تنحاز إلى الجهات السلفية".

بدوره، يرى رئيس مكتب العلاقات في "هيئة الدفاع-مقاطعة الجزيرة" ​ناصر الحاج منصور​، عبر "النشرة"، أن موسكو تسعى للإستفادة من الواقع الحالي لخدمة وجهة نظرها من المفاوضات، فهي تدخلت في الحرب بشكل مباشر منعًا لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي هي تسعى إلى أن يصبّ أيّ حلّ في هذا الإتجاه.

على الرغم من هذه النظرة إلى الموقف الروسي، لا يخفي الأكراد قلقهم من الرؤية الأميركية، حيث يشير كوباني إلى أن لدى واشنطن مصالح لا تريد المخاطرة بها مع كل من تركيا والسعودية وقطر، أي أنها غير راغبة في إزعاجهم، وبالتالي هو موقف سياسي لكن في المستقبل عليها أن تنحاز إلى الأكراد، خصوصاً أنها لن تكون قادرة على وضع يدها على الأرض من دونهم.

أما الحاج منصور، فهو يعتبر أن الموقف الأميركي اليوم أقرب إلى "النأي بالنفس" أو تسليم المبادرة إلى روسيا، ويؤكد بأن الإكتفاء بالتحالف العسكري مع "قوات سوريا الديمقراطية" أو "قوات حماية الشعب الكردي" أمر يقلق الأكراد، لأن أهدافهم لا تتوقف عند محاربة تنظيم "داعش" بل لديهم رؤية حول المستقبل السوري بشكل كامل.

ماذا بعد هزيمة "داعش"؟

بالنسبة إلى البعض، قد يكون من المبكر الحديث عن واقع المنطقة بعد هزيمة "داعش"، لكن من الضروري البدء بالبحث عن جواب لهذا السؤال، خصوصاً أن هناك خرائط تُطرَح في مراكز صنع القرار الدولية، بالإضافة إلى فيتوات توضع من قبل بعض اللاعبين الإقليميين، وبالتالي من الطبيعي السؤال عما إذا كان الأكراد سيخسرون مرة جديدة الإنتصارات العسكرية في المفاوضات السياسية.

من وجهة نظر الحاج منصور، الموقف الأميركي لا يعود فقط إلى الرغبة في عدم إزعاج الحلفاء في المنطقة، بالرغم من تأكيده أهمية هذه النقطة، بل يشمل أيضاً رؤيتها إلى الشرق الأوسط، حيث تسعى إلى عزل "داعش" ضمن إطار معين.

على الرغم من ذلك، يؤكد الحاج منصور أن هذا لا يعني أن الأكراد سيكونون أقرب إلى الموقف الروسي، على الأقل حتى الساعة، فهم لا يزالون متمسكين بالتنسيق والعلاقة مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ويراهنون على حصول تبدل في الموقف الأميركي، إلا أنه يرى أن من حق الأكراد السؤال عن المرحلة التي ستلي هزيمة "داعش".

من جانبه، يشدد كوباني على أن مسألة خسارة الأكراد الإنتصارات العسكرية على طاولة المفاوضات السياسية لم تعد قائمة، لا سيما بعد أن باتوا حالياً قوة تستطيع أن تلعب دوراً حاسماً في المعادلة، وهم يملكون اليوم، من خلال "قوات سوريا الديمقراطية"، رؤية شاملة أوسع من الإطار القومي الضيق.

وفي حين يعيد كوباني التأكيد على أن أي حل، لا يكون الأكراد شركاء في صنعه، لن يقبلوا به وليسوا مقيَّدين بتنفيذه، يوجّه رسالة واضحة، إلى موسكو وواشنطن معاً، مفادُها بأنّ التقارب العسكري وحده لا يكفي، بل يجب التعامل مع المسألة الكردية كقضية سياسية، ويضيف: "الجانبان يعترفان بمشروعية مطالبنا، لكنهما يعتقدان أنها ليست سهلة".

في المحصلة، يأمل الأكراد اليوم، بحسب ما يؤكد الحاج منصور، أن تسمح الظروف الدولية بالمستقبل في تبديل المشهد الذي أنتجته إتفاقية سايكس-بيكو، لصالح مشهدٍ آخر يلعبون فيه دور "حصان طروادة".