استطاع تنظيم "داعش" أن يفرض نفسه على كامل محافظة الأنبار بتاريخ 17 أيار 2015، بعد انسحاب "الحشد الشعبي" من مناطق عدة منها (منطقة الصوفية، وقاعدة الجنانية، وأطراف الرمادي)، نتيجة الانقسام الحاد بين زعماء العشائر المقيمين في أربيل والموصل الرافضين لمشاركة "الحشد الشعبي" في تحرير مناطق السُّنة من "داعش"، وفي ذلك يتناغمون مع وجهة النظر الأميركية الداعية إلى رفض مشاركة "الحشد" في أية معركة، إلا إذا قبلت المشاركة تحت إمرة الجيش، وبالتنسيق مع قوات التحالف، وبين قادة الصحوات الذين يتبنّون مشاركة قوات "الحشد الشعبي" في القتال معهم، ويرون أنه لا مناص من التعاون معهم لتحرير منطقة الأنبار وغيرها من مناطق السُّنة من سيطرة "داعش"، التي لا تتواني عن ارتكاب المجازر وقتل الأبرياء واغتصاب النساء وتهديم دور العبادة..

تذرّع الرافضون بمشاركة "الحشد الشعبي" باتهامه بأنه ارتكب المجازر في تكريت وغيرها من المناطق، وإثارة النعرة المذهبية، وهي أمور نفاها "الحشد" وزعماء العشائر فيها، أما عمليات التفجير التي استهدفت مساجد السُّنة في المقدادية، فقد دانها المرجع الشيعي السيستاني، وأعلنت "داعش" مسؤوليتها عنها.

أما الأسباب الحقيقية التي تدعو إلى رفض مشاركة قوات "الحشد" في تحرير الأنبار فهي كثيرة، منها:

1- تحجيم دور "الحشد الشعبي" الذي أصبح جزءاً أساسياً في معادلة تحرير المناطق التي تسيطر عليها "داعش"، وأنه لا قدرة للجيش والعشائر على تحقيق إنجاز في الميدان من دون "الحشد الشعبي".

2- أصبح "الحشد" (القوة الشعبية المقاومة الشبيهة بالمقاومة في لبنان) جزءاً من المعادلة الذهبية مع الجيش والشعب، ولنكون مع معادلة عراقية تشبه إلى حد كبير ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في لبنان، والتي أعطت زخماً قوياً لكلا المقاومتين العراقية واللبنانية، وهو أمر لا تستسيغه أميركا وحلفاؤها، لأن في ذلك إضعافاً لمشروعها التفتيتي في المنطقة، وتقوية لمشروع الممانعة الذي تقوده إيران في المنطقة.

3- السعي لاستبدال "الحشد" بمشروع الحرس الوطني الجديد، الذي يدعو إلى الحماية الذاتية للمناطق، حيث يدافع السُّنة عن مناطقهم، والشيعة عن مناطقهم، وكذلك الأكراد، ومشروع القانون هذا هو مشروع أميركي بامتياز، لأنه يؤسس لعراق جديد مبني على أساس مذهبي يحمل في طياته مشروع فتنة مستمرة.

4- سعي أميركا لضبط إيقاع المواجهة ضد "داعش"، لأنها لا تريد القضاء عليها، بل ضبط إيقاعها؛ للاستفادة منها في مشروعها الجديد لمنطقة الشرق الأوسط، إلى أن يأتي الوقت المناسب للتخلص منها.

هذه الأسباب إضافة إلى غيرها، والتي كانت تهدف إلى منع "الحشد" من القيام بدوره الوطني في القضاء على "داعش"، واستعادة المناطق التي احتلّتها، لم تنجح، بسبب المجازر التي ارتكبتها "داعش"، وأعمال السلب والاغتصاب، وغيرها من الأمور التي لم يستطع تحمّلها أبناء الطائفة السُّنية، عدا عن غيرها من الطوائف الأخرى، والتي فضحت أكاذيب المغرضين وادعاءاتهم بأن "الحشد" يقوم بأعمال مذهبية مقيتة، وكشفت عن الصورة المشرقة له كفصيل وطني حريص على الشعب العراقي بأطيافه كلها، وأدت مرة أخرى إلى تكريس دوره الأساس في معركة الأنبار التي مُنع منها سابقاً، وكان لدخول "الحشد" فيها دور كبير في تحرير العديد من مناطق الأنبار، وما تبقّى منها ما هو إلا جزء يسير سيعمل على تحريره، وبذلك تكون "داعش" قد خرجت من الأنبار، وتضاءلت قوتها وضاقت عليها مساحة انتشارها، وسنكون أمام مرحلة جديدة لها علاقة بتحرير محافظة نينوى من "داعش"، فهل ستكون الأمور سهلة، أم أن هناك عقبات ستعترض مشروع القضاء على "داعش"، لأنه سيتعارض مع مشروع أميركا الجديد في المنطقة، لأنه سيفقدها أداة هامة تستخدمها في مشروعها لإنجاحه؟