في الوقت الذي يتم الحديث عن تسوية سياسية في ليبيا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتوصُّل فرقاء النزاع في ليبيا إلى صيغة اتفاق سياسي يتضمن الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمرحلة انتقالية مدتها سنتان، تنتهي بانتخابات تشريعية، يزداد الحديث عن تدخُّل أجنبي في ليبيا، من أجل "محاربة الإرهاب التكفيري"، خصوصاً "داعش".

تهدف هذه التسوية إلى تهدئة الوضع في ليبيا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، كي يتسنى للتحالف الدولي "محاربة الإرهاب" بحسب ادعائه، خصوصاً مع توفُّر بيئة حاضنة له، بعد دخول تنظيم "داعش" على خط الصراع الليبي، مستفيداً من صراع "أنصار الشريعة" والمجموعات المتطرّفة الأخرى التي تتمركز في طرابلس في مواجهة المجموعات الأخرى التى تقاتل تحت قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الموجود في بنغازي، ودخوله في الاقتتال الداخلي كفصيل أساس من أجل تثبيت وجوده، فهو من ناحية يتعاون مع المجموعات "الإسلامية" لقتال حفتر، ومن ناحية أخرى يخوض معركته مع المجموعات "الإسلامية" المتطرفة في مناطق وجودها، تمهيداً لإحكام سيطرته على ليبيا.

ما استطاعت أن تحققه "داعش" هو أنها سيطرت على مدينة سرت وأعلنتها "إمارتها الإسلامية"، وتعمل للسيطرة على المناطق الأخرى، لكنها لم تستطع تحقيق تقدُّم ملموس فيها، ما خلا قيامها بأعمال القتل بالاغتيالات والمجازر بحق الأبرياء جراء التفجيرات والعمليات الانتحارية، والسيطرة على بعض أطراف مصراته وسبها ودرنة.

هذا التوسع الذي يقوم به تنظيم "داعش" يأتي في سياق خطة بديلة لها علاقة بالمتغيرات التي حدثت في سورية والعراق ولبنان، بعد تقديره أن مشروع "الدولة الإسلامية في سورية" على طريق السقوط، وذلك بعد التدخّل العسكري الروسي المباشر، والتنسيق المباشر مع الجيش السوري الذي أجرى تعديلاً على خططه العسكرية بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وعلى المحاور كافة.

قامت "داعش" بتغيير استراتيجيتها القتالية، وذلك بالانتقال من سورية إلى ليبيا، نظراً إلى تسيُّب الوضع الأمني، ولسهولة الحركة فيها، سواء من ناحية إقامة المعسكرات وتجنيد الشباب والانطلاق منها بأعمالها الإرهابية إلى شمال أفريقيا وأوروبا، وهذا ما حذّر منه باتريك برايور؛ المحلل الرئيس في قضايا الإرهاب لدى وكالة استخبارات الدفاع في مؤتمر واشنطن.

خطورة "داعش" لا تكمن في الأعمال الارهابية التي تنوي القيام بها في أوروبا وأفريقيا وحسب، بل الخوف كذلك من استيلائها على الثروة النفطية التي يطمع الغرب في السيطرة عليها، والتي ستشكّل مموّلاً رئيساً لها، وقد اشترطت دول "الناتو" الراعية للتسوية في ليبيا على أطراف الصراع فيها، الإسراع في تشكيل حكومة الوحدة، قبل مساعدتهم في إنهاء وضع "داعش"، حسبما أعلن الامين العام لحلف شمال الأطلسي، وفي هذا السياق بدأ الحديث عن تدخُّل عسكري غربي في ليبيا، وهو مالم تنفه أميركا، حيث قال وزير دفاعها إن بلاده جاهزة للعمليات العسكرية، لكن لا يوجد قرار في هذا الموضوع حتى الآن.

الوضع في ليبيا في غاية الخطورة بعد "الربيع العربي" الذي دمّر مجتمعها وحوّلها إلى مجتمع متناحر، يسعى كل طرف فيها إلى تشكيل دولته الخاصة، فهل تستفيق أطراف الصراع وتعمل جاهدة على إنجاز هذه التسوية، والحذر في الوقت نفسه من رعاتها الدوليين الذين لايعنيهم أمن ليبيا واستقرارها، إنما مصالحهم النفطية فيها، وخوفهم من الإرهاربيين الذين انقلبوا عليهم بعد احتضانهم؟