تتوسّع مروحة التعاون الروسي - الإيراني على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية وفق منظومة تبادُل أوراق القوة لتأمين الدفاع الذاتي لكلا الدولتين اللتين تعرّضتا للعقوبات الاقتصادية والحصار السياسي من أميركا وحلفائها، وصولاً لإثارة التوترات الأمنية، ومحاولة السيطرة على الدول الحليفة لروسيا وإيران (سورية وليبيا واليمن..).

التاريخ يؤكد أن الحقوق لا تحميها المعاهدات أو المنظمات الدولية في العصر الحديث، بل تحتاج إلى القوة لحمايتها، ومادامت أميركا تتفوّق بقوتها العسكرية والاقتصادية فهي تتحكم بالعالم ومؤسساته الدولية سياسياً، ولذا على كل دولة تريد حماية استقلالها أن توفّر مصادر القوة المستدامة وغير الخاضعة للسيطرة الأميركية، وهذا ما فعلته إيران وفق المستطاع خلال حصارها الطويل، وهذا ما فعلته روسيا أيضاً أثناء نومها العميق خلال أكثر من عقدين من الزمن.

القوة لا تردعها إلا القوة، وهذا ما تحمي كوريا الشمالية نفسها به من الأطماع الأميركية، وكذلك على صعيد حركات المقاومة، فإن قوة المقاومة حققت الانتصار ورسّخت معادلة توازن الردع والتكافؤ في الخسائر في حال نشوب أي حرب.

روسيا تسلّح إيران لتأمين صمود حليفها الميداني في سورية وحليفها المستقبلي في ساحات أخرى حتى في الجمهوريات الإسلامية الروسية، وبسبب قلة حلفاء روسيا القادرين على رفد القوة الروسية، فإن موسكو بحاجة إلى طهران قوية كما هي حاجة إيران لروسيا قوية.

والسؤال: لماذا تسلّح روسيا إيران؟

الجواب: ليس بسبب التجارة طبعاً، فالتسليح يهدف إلى أمور عديدة منها:

1- دعم الجمهورية الإسلامية (الجارة الأقرب إلى روسيا) للتمكُّن من الدفاع عن نفسها، وهي الدولة الوحيدة في المحيط الإسلامي الروسي الذي لا يشكّل تهديداً للأمن الروسي.

2- تشكّل إيران النافذة الآمنة لدعم حركات المقاومة والجيوش الصديقة بالسلاح الروسي الذي ستكون نتائج انتصاراته في الصندوق الروسي كما في الصندوق الوطني لأي طرف حليف، وهذا ربح كبير مقابل السلاح المدفوع الثمن أو المجاني الذي تعطيه روسيا بدون عناء مادام يضرب المشروع الأميركي أو الأوروبي أو تركيا او السعودية.

3- السلاح الروسي لإيران يبني خطوط دفاع آمنة لروسيا، ويوسّع دائرة الأمان، فهذا السلاح سيُستعمل ضد أطراف ثلاثة: العدو "الإسرائيلي" والمشروع الأميركي والتكفيريين ورعاتهم، فتربح روسيا ضرب عدوين على الأقل بشكل مباشر، وتغمض عينها عن ضرب الطرف الثالث "إسرائيل"، ويمكن أن تربح بأن تكون وسيطاً بين الطرفين بناء على طلب وحاجة "إسرائيلية"، وتتشارك مع أميركا رئاسة المفاوضات العربية - "الإسرائيلية"، كما استطاعت سورية وحلفاؤها تثبيت روسيا في رئاسة الأزمة السورية بالشراكة مع أميركا، وهذا ما لم تكن روسيا قادرة عليه بمفردها.. لكن السلاح والذخائر الروسية في سورية فتحت أبواب جنيف وفيينا، ورسخت مصطلح كيري - لافروف في الإعلام بعدما كان كيري "ملكاً" وحيداً.

4- التسليح الروسي لإيران هو بمنزلة تسليح روسيا لنفسها للدفاع عن أمنها، ويتطابق مع خطاب الرئيس الروسي في يوم حماة الوطن حيث قال إن "الجنود الروس يدافعون عن الأمن القومي الروسي بقتالهم في سورية".

5- السلاح الروسي أمام خيارين: أولهما الصدأ في المخازن وتحوُّله إلى خردة تُباع بثمن رخيص، أو ينتشر في ميادين القتال ويُصرف سياسياً واقتصادياً وعزة وكرامة، وهذا ثمن لا يربحه إلا المقاومون والشجعان.. ومثالاً على ذلك استطاعت روسيا أن تجبر أميركا والسعودية على عدم تزويد المسلحين في سورية بصواريخ مضادة للطائرات، عبر تهديدها بتزويد الجيش اليمني و"أنصار الله" في اليمن بصواريخ ضد الطائرات السعودية؛ السلاح مقابل السلاح، وكما تزوّد أميركا أوكرانيا بالسلاح ويتقدّم "الناتو" لحدود روسيا، ستتقدم روسيا إلى قلب الشرق الأوسط الأميركي عبر إيران وسورية واليمن.

إيران وروسيا نواة الحلف المضاد لحلف "الناتو"؛ كما كان حلف "وارسو" أيام الحرب الباردة، مع فارق واضح أن الحرب ليست باردة بل ساخنة.. وتحت الرقابة.