في خضمّ الأحداث السياسية الدائرة في المنطقة العربية كما المعارك والتحرّكات العسكرية على أكثر من جبهة إقيليمة ودولية؛ وبعد إعلان إسرائيل الصريح تحالفها إستراتيجياً مع "أنظمة سنيّة" (كما تسمّيها) في الخليج العربي وشمال أفريقيا، ببادرة تبسط فيها جسر العبور إلى أيّ حربٍ مقبلة عبر التعبئة العصبية الشعبية والتقبّل الدولي؛ لفت في الآونة الأخيرة ما يلي:

بتاريخ 8 شباط 2016 ليلاً، حلّق الطيران الإسرائيلي على مستوى منخفض فوق البترون-جبيل وصعوداً إلى ​بعلبك​ ونفّذ غارات وهميّة عدّة.

في 25 شباط 2016، أعلنت قيادة الجيش -مديرية التوجيه- أنّ زورقين تابعين للعدو الإسرائيلي أقدما على خرق المياه الإقليمية اللبنانية مقابل رأس الناقورة، لمسافة 204 أمتار ولمدة 30 دقيقة، وعند الساعة 16:00 خرق زورق مماثل المنطقة البحرية نفسها لمسافة 203 أمتار ولمدة دقيقتين"...

وفي التاريخ نفسه أي 25 شباط 2016، صدر عن قيادة الجيش -مديرية التوجيه- بيان نصّ على أنه "بتاريخه عند الساعة 5:55 خرقت طائرة إستطلاع تابعة للعدو الإسرائيلي الأجواء اللبنانية من فوق بلدة الناقورة، ونفّذت طيراناً دائرياً فوق مناطق الجنوب، بيروت وضواحيها، البترون وجبيل ثم غادرت الأجواء عند الساعة 11:00 من فوق بلدة رميش".

وفي 1-3-2016 صدر عن قيادة الجيش -مديرية التوجيه- "أنه بتاريخه ساعة 7:55 خرقت طائرة إستطلاع تابعة للعدو الإسرائيلي الأجواء اللبنانية من فوق بلدة كفركرلا، ونفّذت طيراناً دائرياً فوق مناطق رياق، بعلبك والهرمل ثم غادرت الأجواء من فوق بلدة رميش؛ وعند الساعة 11:00 خرقت طائرتان حربيتان تابعتان للعدو الإسرائيلي الأجواء اللبنانية من فوق البحر، ونفذتا طيراناً دائرياً فوق كافة المناطق اللبنانية، ثم غادرتا الأجواء عند الساعة 12:45 من فوق بدلة رميش".

إنّها خروقات بحرية وجوية يقدم عليها الإسرائيلي في حقبة يرزح فيها لبنان تحت وابل الفتنة الطائفية والفتن الحزبية ومخاطر الحروب الإقليمية الدائرة وتداعياتها على لبنان.

ولئن كانت أهداف إسرائيل العسكرية في الجنوب اللبناني سواء برّاً أو بحراً أو جوّاً معلومة وواضحة المعالم إن لجهة مآربها التمددية أو السيطرة النفطية كما ترسيخ سلطتها الرقابية على حدودها والتنفيذ الدائم لمخططات إستطلاعاتها الجغرافية لكشف مواقع "حزب الله"؛ فسؤال يُطرح هنا؛ ماذ تريد إسرائيل من بعلبك والبترون وجبيل؟

"بعلبك - الهرمل" بوابة "المقاومة" وبقعة حدودية تفصل لبنان عن سوريا، وواجهة برية إستراتيجية جرودها ملجأ للإرهابيين ومعارك دائرة متواصلة؛ أمّا "جبيل" و"البترون" فواجهتان بحريتان مفصليتان فيما بين لبنان الشمالي وجبل لبنان؛ واقعٌ جغرافيٌ واضح المعالم؛ أمّا على الصعيد الجيو-سياسي؛ لا يخفى على المراقبين في الشؤون العسكرية اللبنانية أنّ إسرائيل بطلعاتها الجوّية المستمرة فوق الأراضي اللبنانية تدأب على دراسة ومراقبة الداخل اللبناني وحدوده البرية والبحرية ومقارنة ما تلتقطه من صور جوية بدقة صور القمرين الصناعيين خاصتها الموجّهين على مراقبة التفاصيل اللبنانية.

في قراءة أخرى؛ إنّ الخروقات الجويّة والإستطلاعات؛ جرسُ إنذار يُقرع على (الأمن النفطي) ففي صلب التشابك والصراع المصالحي بين إسرائيل ولبنان وقبرص على ​الثروة النفطية​ المتداخلة في مياه البحر الأبيض المتوسط؛ يتبيّن أن توسّع رقعة بصرها على النفط اللبناني يمتدّ من ال​بلوكات النفط​يّة على الحدود الجنوبية ليشمل حتى الآن البلوكات بشكل مواز لجبل لبنان حتى البترون فواضح وثابت أنه نتيجة للمسوحات الزلزالية الثنائية والثلاثية الأبعاد التي جرت للمنطقة الإقتصادية الخالصة، ثبت أن الثروة النفطية البحرية اللبنانية تحتوي على 80 تريليوم قدم مكعب من الغاز ومليار و200 مليون برميل من النفط السائل قُسمت وحُدّدت بعشرة بلوكات.

مؤخراً؛ حصل سجال على طريقة تلزيم بلوكات النفط والحديث دار عن آراء تمسّكت بأولية بدء تنفيذ التنقيب بالبلوكات الموجودة قبالة منطقة البترون وجبل لبنان ومنها جبيل، وتوالت الأصوات المطالبة بإصدار المراسيم التطبيقية للشأن النفطي، وإسرائيل كالعادة أوّل السامعين.

هنا، لا بدّ من التذكير بأنه قبالة ساحل جبيل والبترون تقع البلوكات رقم (3) و(4) وقسم من البلوك (6) وقسم من البلوك (2) وأجزاء بسيطة من البلوك (7) وقُدّرت ثروة البلوك الرابع وحده بـ 13 تريليون قدم مكعب من الغاز و425 مليون برميل من النفط السائل؛ ومع وجود شركات أجنبية عدّة تسعى للتنقيب؛ هل تسعى إسرائيل إلى تجميد أي خطوة عملية بهذا الشأن عبر التهويل؟ أو أنها فعلاً تسعى لإحتلال نفطيّ من نوع آخر يتخطى هذه المرة خطتها للبلوكات المحاذية لحدودها في الجنوب؟

أسئلة برسم المعنيين عن وضع الإستراتيجيات الدفاعية في الدولة اللبنانية (إن وُجدت).

أمّا بعلبك-الهرمل وجرودها؛ تلك المنطقة التي تسعى جاهدة الجماعات الإرهابية على إحتلالها تمهيداً للتمدّد البري لدولتها المفترضة؛ فبعد ما أعلنته إسرائيل عن إكتشافها لثروة نفطية في أراضي "الجولان" وغوصها في أعمال التنقيب في اليابسة، وقفة تأملية تستدعي السؤال: أتكون يابسة بعلبك-الهرمل حاضنة لبترول من نوع آخر يختلف عن "البترول الأخضر"(في حال تشريعه)؟

سؤال أيضاً برسم المعنيين عن وضع الخطط الإنمائية لهذه المنطقة وأيضاً - إن وُجدت.

أمام توسّع دائرة الإستراتيجيات الإقتصادية الإحتلالية الإسرائيليّة، لبنان في مجرّة أخرى قائمة على صراع "المصالح" و"المصالحات" و"المصطلحات".