قد تكون المرحلة الحالية، بالنسبة إلى رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، هي الأصعب منذ دخوله الحياة السياسية اللبنانية، بعد إغتيال والده رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، في شهر شباط من العام 2005، نظراً إلى التعقيدات التي تطغى عليها على مختلف المستويات، من النظام العالمي الجديد الذي في طور التشكل، إلى الغموض في العلاقات بين القوى الإقليمية الفاعلة، وصولاً إلى الأزمة المفتوحة على الصعيد اللبناني، والتي قد يكون من أبرز نتائجها إعادة البحث في التركيبة القائمة منذ إتفاق الطائف.

في اللحظة الحساسة، قرر الحريري العودة إلى البلاد، بعد 5 سنوات من الإغتراب، من دون أن تتضح حتى الساعة الأسباب الحقيقية لهذه العودة، إلا أن الأكيد هو أن الخوف من اللعب في التوازنات المحلية هو الأساس، خصوصاً أن والده كان بمثابة "المايسترو" لها، حيث كان يمثل الملك السعودي ​فيصل بن عبد العزيز​، في مختلف المفاوضات السابقة، والتي أوصلته إلى رئاسة الحكومة لاحقاً، مدعوماً من أغلب القوى المحلية والإقليمية والدولية.

على هذا الصعيد، تعتبر مصادر نيابية مطلعة، عبر "النشرة"، أن مرحلة دخول الحريري الأب إلى الحياة السياسية اللبنانية، لناحية الغموض في المستقبل، شبيهة إلى حد ما بالوضع القائم اليوم، والذي يسعى خلاله الحريري الإبن إلى حفظ موقع تياره السياسي، لكنها تشير إلى أن الأول كان مدعوماً بتفاهم سعودي-سوري، له أبعاد دولية كبيرة، لعب دوراً في تكريس زعامته، في حين أن الثاني عالق في أزمة مفتوحة بين الحكومتين السعودية وال​إيران​ية، ما يجعله بين مطرقة عدم الإبتعاد عن فلك الرياض وسندان الإستقرار المحلي، خصوصاً أن المتضرر الرئيسي من إنفلات الأوضاع المحلية سيكون تيار "المستقبل"، بسبب عدم إمتلاكه أدوات المواجهة الفاعلة، لا بل من المتوقع أن تقضي الجماعات المتطرفة على ما تبقى له من نفوذ.

إلى جانب الغموض القائم على المستوى الإقليمي، تشير المصادر نفسها إلى أن الحريري الإبن لا يمثل الشخصية التي تحظى بشبه الإجماع الوطني في لبنان، لا بل هو خسر علاقاته مع أغلب حلفائه في قوى الرابع عشر من آذار، نتيجة عدم التنسيق في المواقف بأكثر من ملف، وكان آخرها الأزمة مع حزب "​القوات اللبنانية​"، بعد تبنيه ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ إلى رئاسة الجمهورية، وتلفت إلى أن رئيس الحكومة السابق يسعى إلى التعويض عن ذلك عبر سلسلة من التفاهمات الجديدة، التي قد تكون مفيدة له، بدءاً من التواصل واللقاءات مع أغلب القوى والشخصيات الفاعلة على الساحة السنية، وصولاً إلى الزيارات التي يقوم بها إلى أخصام سابقين، بالإضافة إلى الجولات التي يقوم بها على بعض المناطق، لإستعادة زمام المبادرة، مع العلم أن حجة غيابه عن البلاد سابقاً كانت الأوضاع الأمنية، وتسأل: "هل هذه الأوضاع اليوم أفضل كي يكون مرتاحاً في تحركاته"؟.

في هذا السياق، ترى هذه المصادر أن رئيس الحكومة السابق قد يستفيد من التفاهم القائم على المستوى الدولي، لناحية الحفاظ على الإستقرار اللبناني، لكنها تشير إلى معضلة عدم قدرته على تلبية المطالب السعودية، التي تريد منه تشكيل جبهة مهمتها محاصرة "حزب الله" على الساحة المحلية، في وقت هو يعاني من أزمة مالية كبيرة تعيق تحركاته، ولا تسمح له بالإنفاق الذي يحتاج له للإستمرار، وبالتالي هو يسعى إلى تحقيق التوازن بين مطالب الرياض وضرورة عدم الإنجرار إلى مواجهة خاسرة، لكن هل ينجح في تحقيق هذه المهمة، في الوقت الذي تكشف فيه المعطيات أن المملكة غير راضية عما قام به حتى الساعة، وهو ما تُرجم من خلال تشكيل، وزارة العمل السعودية، لجنة لحل مشكلة تأخّر رواتب الموظفين في شركة "سعودي أوجيه"؟

في المحصلة، لا يبدو الحريري، في المرحلة الراهنة، في وضع يُحسد عليه، فهو يخوض مواجهة قد تؤدي خسارتها إلى نهاية مستقبله السياسي، والأمر نفسه ينطبق على بعض الدول الإقليمية، التي تبحث أيضاً عن كيفية ملاءمة سياساتها الخارجية مع التحولات القائمة في المنطقة.