ليست المرّة الأولى التي يجد فيها رئيس الحكومة ​تمام سلام​ نفسه في موقفٍ لا يُحسَد عليه، تمامًا كما أنّها ليست المرّة الأولى التي يهدّد فيها برمي ورقة "الاستقالة" في وجه جميع الأفرقاء، بغضّ النظر عن التداعيات التي يمكن أن تنتج عن خطوة من هذا النوع.

ولكن، هل يفعلها سلام هذه المرّة بعكس المرّات السابقة، كما يروّج المقرّبون منه منذ أيام؟ وماذا لو فعلها؟ هل تُحَلّ عندها الأزمات التي يرزح تحتها الوطن، ويُعفى سلام ومعه كلّ الوزراء من مسؤولياتهم إزاءها، أم تتعقّد الأمور أكثر، ويدخل البلد زمن المجهول فعلاً وقولاً؟!

دوافع بالجملة

"كلّ الاحتمالات موضوعة على الطاولة". هي عبارةٌ يكاد يُجمِع عليها جميع المقربّين من رئيس الحكومة تمام سلام إذا ما سُئلوا عمّا إذا كانت الأمور يمكن أن تصل لحدّ "الاستقالة".

الثابت، وفقاً لهؤلاء، أنّ الأمر ليس "مناورة" بأيّ شكلٍ من الأشكال، لأنّ سلام ليس أصلاً من النوع الذي "يناور"، وبالتالي فخيار الاستقالة مطروحٌ، مثله مثل خيار الاعتكاف، في حال عدم نضوج المعطيات خلال الأيام المقبلة، التي لن تتخطى أبداً أصابع اليدين، فـ"صبر" المواطنين، وليس سلام فقط، يكاد ينفد.

وعلى الرغم من أنّها ليست المرّة الأولى التي تشكّل أزمة ​النفايات​ عنوان التلويح بـ"الاستقالة"، بعدما سقطت كلّ الخيارات الأصيلة والبديلة لمعالجتها، بما فيها حلّ "الترحيل" الذي "بشّر" فيه سلام شخصيًا، وباتت صورة لبنان في الحضيض عالميًا، فإنّ الإجراءات الخليجية ضدّ لبنان لا تبدو بعيدة عنها، خصوصًا أنّ رئيس الحكومة المُربَك داخلياً بسبب أزمة النفايات، بات مربَكًا خارجيًا أيضاً، وهو الذي لا تزال جولته على ​دول الخليج​ "مجمّدة" بفعل عدم تحديد السعوديين لأيّ موعدٍ له.

وبحسب المقرّبين من سلام، فإنّ ما يزيد الطين بلّة أنّ جميع الأفرقاء في قوى الثامن والرابع عشر من آذار على حدّ سواء لا يتردّدون في تأكيد تمسّكهم بالحكومة وعدم التفريط بها، ولكنّهم لا يترجمون هذا الدعم خطواتٍ عمليّة من أيّ نوع، فلا يقدّمون أيّ مساعدة لحلّ أزمة النفايات، ويواصلون سياسة التصعيد على المنابر بدل اعتماد التهدئة، ولو لفترةٍ مؤقتة.

"الهريبة ثلثا المراجل"؟!

لكلّ هذه الأسباب، تبدو "الاستقالة" أو "الاعتكاف"، في ظروفٍ عادية وطبيعية، الخيار الأكثر واقعية الذي يفترض أن يوضَع على الطاولة، ليس من اليوم بل منذ فترةٍ طويلة، باعتبار أنّ الحكومة التي شُكّلت أصلاً لتعيش بضعة أشهرٍ فقط ريثما يُنتخَب رئيسٌ للجمهورية، "عمّرت" أكثر من اللزوم، ولم تنجح في معالجة أيّ استحقاقٍ واجهته إلا "تحت الضغط".

ولكن، في مثل الظروف التي يعيشها لبنان اليوم، هل يمكن أن تكون الاستقالة حلاً، التي لن يعرف رئيس الحكومة لمن يقدّمها أصلاً بغياب رئيسٍ للجمهورية، إلا إذا كان يعتقد أنّ بإمكانه رميها في وجه الجميع، فينتهي دوره بكلّ بساطة؟

ومن هذا التساؤل، تنطلق أوساط سياسية متابعة لتشدّد على انّ الاستقالة، إذا ما اعتُمِدت، لن تنفع رئيس الحكومة ولن تخدمه من قريبٍ أو من بعيد، بل ستكون أشبه بـ"الهريبة"، التي لن تكون "ثلثي المَراجِل" في هذه الحالة، "هريبة" لن تعفي سلام والوزراء من مسؤوليتهم التاريخية إزاء النفايات، التي تراكمت في عهدهم من دون أن يقووا على معالجتها، كما أنّها لن تعيد علاقات لبنان بالخليج إلى سابق عهدها، بل لعلّها قد تأتي "مكمّلة" لهذه الاجراءات، ضمن مخطّط تأليب اللبنانيين ضدّ "حزب الله"، الذي سيتمّ تصويره عنده وكأنّه "المسؤول" عن كلّ ما وصل إليه البلد.

الهدنة سقطت؟!

أما "تداعيات" مثل هذه الخطوة فتبقى "ضبابية"، تقول المصادر، انطلاقاً من كونها ستشكّل "سابقة" في التاريخ اللبناني الحديث، ولكنّ "التشاؤم" يغلب على "التفاؤل" باعتقاد الأوساط نفسها، باعتبار أنّ كلّ من يعتقد أنّ "الاستقالة" ستكون بمثابة "العاصفة التي تسبق الهدوء"، بمعنى أنّها ستؤدي لاستنفار المسؤولين لحلّ الأزمة واهمٌ، فهذا الامر هو من سابع المستحيلات، في ضوء التطورات الداخلية والإقليمية المتسارعة.

من هنا، تشير الأوساط إلى أنّ البديل سيكون بطبيعة الحال "الانفجار"، إذ إنّ بلداً بمؤسساتٍ منهارة لا يمكن أن يصمد، خصوصًا في ضوء التهديدات الإرهابية والتكفيرية التي تحيط به من كلّ حدبٍ وصوب. وفي هذا السياق، يتذكّر اللبنانيون جيداً ما قيل بكثافة عند ولادة هذه الحكومة أنّها أتت بالاستقرار معها، باعتبار أنّها وضعت حداً لموجات التفجير المتنقّلة التي لم تكن تهدأ آنذاك، وبالتالي فإنّ إعلان انهيارها يكاد يكون شبيهاً بإعلان انتهاء فترة "هدنة".

ولعلّ أكثر ما يخشاه "الآذاريون" من التداعيات المحتملة، بحسب الأوساط نفسها، هو الوصول إلى مرحلة "تطيير النظام ككلّ"، وهو احتمالٌ لا يمكن تجاهله، وعندها سيعود شبح "المؤتمر التأسيسي" الذي حوّله هؤلاء إلى "فزّاعة" إلى الواجهة، ولكن كـ"أمر واقع" لا يمكن الهرب منه، علمًا أنّ الكثير من المسؤولين في هذا الفريق وذاك بدأوا يعدّون العدّة لمثل هذا المؤتمر، لأنّ كلّ التطورات توحي بأنّه آتٍ عاجلاً أم آجلاً، بل إنّ لا حلّ عملياً للأزمة اللبنانية المستفحلة من دونه في نهاية المطاف.

الخاسر الأكبر!

في كلّ الأحوال، وأياً كان "السيناريو" الذي سيتبع استقالة حكومة تمام سلام، في حال حصولها، لا شكّ أنّ الخاسر الأكبر لن يكون سوى تمام سلام نفسه.

فالرجل الذي وُصِف سابقاً من قبل خصومه كما أصدقائه بـ"الآدمي"، والذي أشاد الجميع بمناقبيته وصبره، لن يعود كذلك، بل سيصبح الرجل الذي غرق البلد في عهده في النفايات، وتدهورت علاقات لبنان بالجوار.

لكلّ ذلك، يبدو خيار الاستقالة ساقطاً، حتى عن طريق المناورة، فالمواجهة لا تكون بـ"الهريبة"، بل بما هو مناقضٌ لها جملةً وتفصيلاً، علمًا أنّ كلّ التقديرات ترجّح أنّ أقصى ما يستطيع سلام القيام به هو الاعتكاف، لا أكثر ولا أقلّ!