حاول المعلقون «الإسرائيليون» تفسير إلغاء نتنياهو زيارته لواشنطن بأمرين، الأول حرجه من مواجهة العالم في مؤتمر الأمن النووي وإمكانية مطالبته بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار السلاح النووي، والثاني خشيته من عدم التوصل إلى اتفاق مع أوباما حول المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة لـ»إسرائيل». لكن هناك سبباً حقيقياً لإلغاء هذه الزيارة… وإليكم القصة…!

هل العلاقات الأميركية الإسرائيلية في أزمة؟ ربما… لكنها من نوع الأزمات التي تقوم بين الحلفاء، أو بالأحرى هي أزمة ناتجة عن التسابق بين الطرفين حول أيّ نهج هو الأفضل لخدمة «إسرائيل»…!

يختلف الحزب الديمقراطي عن الجمهوري في الولايات المتحدة بأنّ نهج الديمقراطيين في دعم «إسرائيل» هو إضعاف العرب، بينما يركز الجمهوريون على نهج تقوية «إسرائيل». والأمر ليس سيان بل هناك فرق مهمّ…

ولا شك في أنّ إضعاف العرب أخطر من تقوية «إسرائيل»، وإنْ كان الأمران يخدمان في النهاية هذا الكيان. ويبدو أنّ الولايات المتحدة تحت حكم الديمقراطيين قد تمادت هذه المرة في إضعاف العرب إلى درجة أنّ حكام تل أبيب لا يرون أيّ سبب للتنازل ولو بشيء قليل في القضية الفلسطينية.

بدأت القصة عندما أعلن الرئيس أوباما في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول 2014 موقفاً قال عنه إنه «اكتشاف مدهش» وهو أنّ ما يسمّى بـ»الصراع الفلسطيني الإسرائيلي» ليس الصراع المركزي في المنطقة، وإنما هو صراع ثانوي. ولا شك في أنّ هذا الاستنتاج قرأه من خلال لقاءاته مع زعماء الخليج الذين كانوا يصرّون على محاربة «محور المقاومة» كأولوية مطلقة…

أوباما وجد أنّ هناك شيئاً أولوياً يجمع الخليج بـ»إسرائيل» وهو مناهضة محور المقاومة، وشيئاً ثانوياً يفرّقهم وهو «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»… من الضروري إذاً حلّ الثانوي والتركيز على الأوّلي. ضغط أوباما على نتنياهو لإعطاء الفلسطينيين دولة ما حتى ولو كانت مسخاً ما دام العرب الآن في أضعف أحوالهم وسيرضون بالفتات. هذه «الدولة الفلسطينية» التي سترتبط بـ»إسرائيل» أمنياً ودفاعياً سوف تلغي أيّ إحراج أمام غالبية أعضاء جامعة الدول العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني وفتح علاقات تحالف علنية تحت الشمس معه في مواجهة الخطر المشترك الذي يمثله محور المقاومة.

الخليجيون طالبوا أوباما مراراً بالضغط على «إسرائيل» كي تقوم بهذه الخطوة وينتقل الحلف من «تحت الطاولة» إلى العلن…

وكأني بأوباما يقول لنتنياهو: لقد أضعفتُ لكم العرب إلى أقصى حدّ، فعليكم الاعتراف بدولة فلسطينية مرتبطة معكم بمعاهدات أمنية وعسكرية كي نجني الثمار سوية عبر توافق استراتيجي كامل بينكم وبين الخليج.

يجيب نتنياهو: سيدي الرئيس ولماذا أعطي الفلسطينيين شيئاً واحداً ما دام العرب ضعفاء؟ خاصة أنهم يتعاونون معي الآن ضدّ عدونا المشترك؟ وهل الانتقال من تحت الطاولة إلى فوقها سبب كافٌ كي أعطيهم الأرض؟ علينا أن نضغط أكثر على الخليجيين حتى يعلنوا تعاونهم معنا بغضّ النظر عن الفلسطينيين ومسألتهم.

تلقف أوباما الفكرة. فما دام الضغط على «إسرائيل» صعباً والضغط على العرب سهلاً فلماذا لا نضغط على زعماء الخليج لتقديم «تنازل نوعي» لـ»إسرائيل»؟ وهكذا كان، فقد قدّم الخليجيون «ورقة اعتماد» لدى «إسرائيل» عبر إعلانهم حزب الله منظمة إرهابية.

أوباما بدا أسعد الناس بعد هذا الإعلان، وقال في نفسه: سوف أنتظر نتنياهو في واشنطن كي يدفع ثمن ما قدّمه الخليجيون عبر القبول بدولة فلسطينية مسخ يكون قيامها فاتحة سيطرة «إسرائيلية» كبرى على عرب الخليج في مواجهة شرقه…

نتنياهو على ما يبدو ليس مستعداً لمثل هذا الأمر. ولماذا يكون ما دام الخليج مطواعاً؟ ولعلّ نتنياهو بانتظار تنازل جديد من دول النفط العربي بشكل اعتراف بـ«إسرائيل» علناً دون أيّ اعتبار لما يسمّى بـ«الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي».

وزير وسفير سوري سابق