شكلت عودة رئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ الى لبنان زخما لقوى "14 اذار" التي اشتاقت لحسن الضيافة في بيت الوسط، فالرجل عاد الى وطنه لتفعيل الحياة السياسية، ولكن المملكة العربية السعودية كان لها رأي آخر، فهي اختارت فتح الحرب بوجه "حزب الله" ولبنان ككل، فبدأت باسترداد الهبة العسكرية للجيش اللبناني وقد لا تنتهي بإعلان مجلس وزراء الداخلية العرب "حزب الله" ارهابيًّا مع اعتراض عدد محدود من الدول على رأسها لبنان.

بغض النظر عن الاسباب التي دفعت بالسعودية لهذه المواجهة، يبدو جليًّا أن القرارات "الهجومية" للضغط على الحزب ولبنان لم تنتهِ، ولكن الواقع اللبناني يُظهر ما لا تشتهيه المملكة، فتيار "المستقبل" يبدو عاجزا عن مجاراة قراراتها لأنّه يعلم حسب مصادر خاصة لـ"النشرة" انه غير قادر على تنفيذ كل ما تريده الرياض وتحديدا "النزول الى ميدان الشارع"، فتجربة 7 ايار 2008 لا تزال شاخصة امام أعين مسؤوليه. وتضيف المصادر: "في احداث 7 ايار كان تيار "المستقبل" بحالة عسكرية وتسليحية "جيدة" بعكس كل ما قاله المسؤولون فيه، اضافة الى أن الأموال كانت متوفرة لديه للدخول في معركة "شوارع" وكانت النتيجة كارثيّة، أما اليوم فهو يعاني من انخفاض شعبيته وقلّة موارده المالية، ويعلم ان أي مغامرة عسكرية مع "حزب الله" لن تكون شبيهة بـ7 ايار اذ ان الحزب يومها لم يستثمر انتصاره العسكري في اتفاق الدوحة، وهو لن يتردد اليوم في "اضعاف" وجود تيار "المستقبل" السياسي إن أقدم على خطوة كهذه".

وفي ظل احتدام "الحرب" السعودية مع "حزب الله"، يستمر الحوار بين الأخير وتيار "المستقبل" ويتم التمسك به اكثر كما اشار الحريري في تصريحاته. وهنا تؤكد المصادر ان الحوار بين الفريقين هو مطلب وقرار اميركي ودخله التيار الأزرق عبر ضغط أميركي. والامر نفسه ينطبق على الحكومة، فرغم فشلها بمعالجة الأزمات ومنها النفايات وعدم الانسجام بين عناصرها، صمدت ولم تستقل.

في السياق نفسه يكشف المحلل السياسي ​غسان جواد​ عن جولة قام بها مؤخرا القائم بأعمال السفارة الاميركية في لبنان ريتشارد جونز على افرقاء "14 اذار"، أبلغهم فيها رغبة الولايات المتحدة الاميركية بالحفاظ على استقرار لبنان والتمسك بالحكومة والحوار. ويضيف: "ليس من مصلحة الاميركيين تعكير صفو الاجواء اللبنانية لأن هذا البلد بالنسبة اليهم هو الحديقة الخلفية التي يدار منها ملف المنطقة بأكملها"، لافتا الى ان الاستثمار الاميركي ببناء سفارة في لبنان بقيمة مليار دولار يعني انهم يرون لبنان مستقرا ولن يذهب باتجاه الانفجار".

بالمقابل ترى مصادر موالية لفريق "14 اذار" أن "اغلب الدول تريد الاستقرار للبنان واولهم السعودية التي وقفت الى جانب الدولة منذ الطائف حتى اليوم ولم تكن يوما طرفا في الصراعات الداخلية عكس ايران التي كانت ولا زالت الى جانب الحزب ضد خصومه السياسيين". وتضيف المصادر عبر "النشرة": "نتفهم العتب السعودي على لبنان لان صبرها الذي طال لا بد أن ينتهي خصوصا بعد الهجوم غير المسبوق عليها من قبل "حزب الله" الذي يسيطر على الحكومة ويتحكّم بقرارها "الخارجي" والذي أدّى لان يظهر لبنان كحليف ل​إيران​ ضد العرب وهو ما لا يمكن السماح به"، كاشفة عن اجراءات جديدة تفكر السعودية باتخاذها ضد "لبنان" بعد ان استمرّ الهجوم عليها من قبل الحزب الذي يعمل وفق أجندة خارجية بشكل فاضح".

وفي الاطار عينه أيضًا، فحسب المنطق الطبيعي للأمور فإن الفراغ يقابله محاولة لملئه تقول المصادر، وفي السياسة "فإن الفراغ الذي ستتركه السعودية بخروجها من لبنان ماليا واقتصاديا وسياسيا، سيتم ملؤه، وايران هي المرشّح الأبرز لذلك بحكم صِلاتها مع لبنان وعلاقاتها القوية معه وبحكم واقعها الاقليمي والدولي الجديد بعد الاتفاق النووي". بالمقابل يشير جواد الى اننا امام سعودية جديدة بالكامل، وفريق الحكم الجديد يأخذها الى مواجهات مفتوحة ستؤدي الى خسارتها لنفوذها تماما كما حصل في اليمن والعراق وسوريا واليوم في لبنان. ويضيف: "لمسنا جواً بأن الايرانيين مستعدون لايداع مليارات الدولارات في المصرف المركزي اللبناني، ان أقدمت المملكة على سحب ودائعها". هذا الامر تراه المصادر في 14 اذار "حُلُمًا" لن يتحقق، "فنحن لن نفرش الورود الحمراء أمام إيران كي "تحتل" ما بقي من مساحات حرة في بلدنا". وتردف: "يستعيد فريق 14 اذار عافيته شيئا فشيئا ووجود رئيس تيار "المستقبل" في لبنان سيعيد لهذا الفريق ما خسره في السنوات الاخيرة وسنعمل على اصلاح العلاقة المتوترة مع المملكة لأن لبنان لا يمكن ان يحيا بدون محيطه العربي وهويته العربية".

تشير الخطابات والتصريحات الأخيرة أن العلاقة بين لبنان والسعودية تتجه للأسوأ، فما كان في الماضي خفيًّا لناحية ارتباط الوضع في لبنان بما يجري حوله أصبح جليًّا، والحلول لن تكون "بالمفرّق" والأكيد لن تكون قريبة، ما يعني ان "الكباش" السياسي والعسكري بين ايران والسعودية سيستمر ولبنان يشكل احدى ساحات المواجهة.