بعد سريان اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية، والذي شكّل بداية "فك اشتباك" بين روسيا والولايات المتحدة، وحظي بترحيب دولي، بدأت بعض الدول الإقليمية، لاسيما المملكة العربية السعودية، تتلمس خسارة مشروعها في المنطقة ككل، ما دفعها إلى التصعيد في لبنان، وإطلاق حملة إعلامية للنيل من المقاومة في لبنان، ومحاولة إثارة فتنة مذهبية مجدداً للإرباك في الداخل، وتطويق دورها الإقليمي والحد من فعاليتها، غير أن المقاومة تداركت الأمر، وضبطت شارعها، وفوّتت الفرصة على "أصحاب الفتنة" الساعين لأخذ البلد إلى الهاوية.

لم يتوقف التصعيد المذكور آنفاً عند حد استخدام الخطب والحملات الإعلامية والسياسية، بل كاد أن يتخطاها إلى المواجهة المسلحة، وما يؤشر إلى ذلك توقيف السلطات اليونانية سفينة محملة بالسلاح متجهة من تركية إلى لبنان، تحديداً إلى الشمال، بحسب ما ترجح مصادر حزبية طرابلسية، مستندة في ذلك إلى تقاطع معلومات لديها في هذا الشأن.

ولفتت هذه المصادر إلى أن هناك اتصالات أُجريت بين مقربين من "تيار المستقبل" من جهة، وبعض الجهات السلفية و"أمراء المحاور" من جهة أخرى، للبحث في العودة إلى حمل السلاح واستخدام الشارع، استعداداً لأي مواجهة مرتقَبة مع حزب الله، غير أن "السلفيين" وقادة المحاور لم يتجاوبوا مع "المستقبليين"، لتجنُّب المصير الذي حل بـ"الإسلاميين" الموقوفين وسواهم، بعدما استخدمهم "التيار الأزرق" في صراعاته الإقليمية على أرض عاصمة الشمال، ثم تخلى وألقى بهم في السجون عند تفاهمه على تشكيل الحكومة الراهنة مع حزب الله، على حد قول المصادر، التي أكدت أن "السلفيين" اكتفوا بالرد بأنهم جاهزون للتفاهم على رؤى مشتركة لمواكبة التطورات التي تحدث في لبنان والمنطقة.

إذاً، كل ما تشهده الساحة اللبنانية راهناً هو محاولة للضغط على إيران وحزب الله من بعض الدول الإقليمية، سعياً منها لإيجاد دور لها في سورية الجديدة قبيل التوافق الأميركي - الروسي على اتفاق نهائي لحل الأزمة السورية، والذي بدأت بشائره تلوح في الأفق بعد سريان الهدنة الراهنة، وبالتأكيد عند توافر الظروف المؤاتية لإبرام الاتفاق المرتجى ليس أمام هذه الدول الإقليمية المذكورة إلا السير بركب التوافق الدولي، ولن تتمكن من تقويض الاستقرار اللبناني، مادامت المقاومة متمسكة بالحفاظ عليه، خصوصاً أنها تحقق الإنجازات في الشطر الثاني من الحدود، فمن البديهي أن تصون السلم الأهلي في بلدها الأم، وهذا ما شدد عليه السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير.

ويبقى الرئيس ​سعد الحريري​ متصدراً موقعه كخاسر أول في الساحة الداخلية، جراء سياسة المملكة في المنطقة، خصوصاً في سورية، فقد أبعدته هذه السياسة إلى الخارج نحو خمسة أعوام، ما أفقده إمساك زمام المبادرة في الشارع السُّني، وحتى "المستقبلي"، لذا قام بجولات على مختلف المناطق السُّنية؛ في محاولة لملمة هذا الشارع بعد بروز الحلف الثلاثي ميقاتي - كرامي - الصفدي في الشمال، إضافة إلى استقالة الوزير أشرف ريف، كذلك تعزيز الوزير السابق عبد الرحيم مراد لحضوره الشعبي في البقاع، ولم يلقَ الحريري في المقابل الصدى الشعبي المطلوب، إلى جانب خسارته المادية التي مني بها أخيراً، وأجبرته على العودة إلى المملكة.