تُعتبَر المخدّرات من أخطر الآفات التي يقف لبنان عاجزاً عن مواجهتها والقضاء عليها حتى الآن نظراً لتداخل العديد من العناصر التي تقف حائلاً دون ذلك، خصوصًا أنّ مثل هذه المواجهة يجب أن تكون شاملة لتصبح ناجعة وفعّالة.

وفي حين تغيب التوعية الحقيقية جنوباً لمخاطر هذه الآفة التي باتت تغزو المجتمع وتفتك بأفراده وتودي بهم إلى الموت وإن كان ببطء، وتقتصر على بعض المراكز في صيدا والجنوب، إضافة إلى مستشفى ضهر الباشق ومستشفى آخر تشيّده جمعة مدرار في شوكين، وكلّها غير كافية في عمليات الردع، يلاحظ المتابعون أنّ القوى الأمنية على مستوى الجنوب بدأت مؤخراً حملة على متعاطي ومروجي المخدرات، وهي تلعب دوراً فاعلاً تمهيداً للقضاء على هذه الآفة منذ الزراعة إلى التصنيع إلى الترويج والبيع والتعاطي.

توقيفات بالجملة

وفي هذا السياق، أبلغ مصدر أمني جنوبي "النشرة" أنّ القوى الأمنية بمختلف أجهزتها قامت خلال فترة وجيزة بتوقيف 36 شخصاً في منطقة النبطية و15 في منطقة حاصبيا و​مرجعيون​ بينهم ستة دفعة واحدة، وما يقارب الـ15 في منطقة صور، وحوالي الـ30 في منطقة صيدا وضواحيها بينهم 10 طلاب، و10 آخرين في منطقة ​بنت جبيل​.

وكشف المصدر أنّ الموقوفين هم، في مجملهم، من الشباب الذين لا يتجاوزون العشرين من العمر، وبينهم لبنانيون وفلسطينيون وسوريون، وأحدهم سوداني الجنسية، لافتاً إلى أنّ هذه الحصيلة هي ثمرة شهر من التحريات والملاحقات الأمنية للأجهزة الأمنية، علماً أنّ الحملة متواصلة بقوة ولا خيمة ولا غطاء ولا حماية لأحد.

وفيما لفت المصدر إلى عدم وجود أحصائية دقيقة لعدد المدمنين في الجنوب، أشار إلى أنّ القوى الأمنية تتحرّك عموماً بناءً على معلومات تردها حول أماكن وجود المتعاطين، حيث تمّ ضبطهم في أوكار ومنازل، وأحياناً خارج بلداتهم في كروم الزيتون وعلى جوانب الطرقات وفي السيارات.

بالجرم المشهود

وتحدّث المصدر عن بعض عمليات التوقيف التي حصلت مؤخراً، فلفت إلى دورية في قوى الأمن أطبقت مؤخراً على وكر في تول، حيث أوقفت اللبنانيين م. م. وع. ح.، وذلك أثناء تعاطي وترويج حشيشة الكيف في البلدة داخل سيارة هوندا سيفيك ثم أقدما على احراقها لاحقا عن قصد واحراق دراجة نارية لعدم وجود اوراق ثبوتية لهما وهما مسروقتان من قبلهما في اوقات سابقة، وكانا ينقلان بهما الحشيشة ويوزعانها على المتعاطين، وقد ارشدا الدورية الى توقيف 6 من رفاقهما بالتهمة ذاتها، بينهم اللبناني ع. ح. والسوري ي. ك. والفلسطيني ع. س. للتهمة نفسها ولقيامهم بعمليات تزوير عملات لبنانية واجنبية.

وفي السياق عينه، قال المصدر أنّ ​مكتب مكافحة المخدرات​ في الجنوب تمكن مؤخرا من توقيف حوالى 12 شخصا في مدينة صيدا بجرم تعاطي المخدرات، قبل ان يتمكن من الوصول الى المروج الذي زودهم بها وتوقيفه، علمًا أنّ معظم هؤلاء الموقوفين هم من تلامذة المداس (أي دون السن القانونية) وتلامذة الجامعات.

ولفت المصدر إلى أنّه بنتيجة التحقيقات مع هؤلاء والتحريات، نفذت قوة من مكتب مكافحة المخدرات في الجنوب مداهمة لأحد الأماكن في محلة وادي الزينة حيث تمكنت من توقيف المروّج ويدعى غ. ر. وبوشرت التحقيقات في هذه القضية تحت اشراف القضاء المختص.

حملات توعية

وإذ دعا المصدر الى تكثيف ونشر التوعية وتعزيز عمل الجمعيات التي تهتم بهذا الملف، مشدّدًا على أهمية تعاون الأهل والمدارس والثانويات والجامعات في هذا المجال مع القوى الأمنية، أكد أنّ الخطة الأمنية لمكافحة المخدرات تتكامل مع الدور التوعوي المركزي الذي تلعبه الجمعيات الأهلية في مستشفيات ومراكز متخصصة منها ضهر الباشق، وجويا، والمجلس الاهلي ل​مكافحة الادمان​ في الجنوب، وجمعية دايز في النبطية، وغيرها من المراكز الاهلية.

وفي هذا السياق، أوضح مدير المجلس الأهلي لمكافحة الادمان في الجنوب ​ماجد حمتو​، في حديث لـ"النشرة"، أنّ المركز الوقائي التابع للمجلس هو عبارة عن مركز استقبال للمدمنين على المخدرات يقدّم لهم حزمة كاملة من الخدمات الصحية والعلاجية والنفسية واعادة التأهيل، كما يوفّر متابعة قانونية للمدمنين الذين هم في نزاع مع القانون، إضافة إلى برامج متابعة اجتماعية، ومتابعة مع الأهل، من دون أن ننسى برامج التوعية على مستوى المدارس والجامعات. ولفت إلى أنّ المجلس الأهلي لمكافحة الادمان يضمّ 11 جمعية تمارس النشاط نفسه، وهو يعمل برعاية بلدية صيدا والتعاون معها، مشيراً إلى أنّ الهدف في المستقبل هو إنشاء مركز متخصّص بالعلاج وإعادة التأهيل للمدمنين.

من جهته، أكد رئيس جمعية دايز ​وسيم شميساني​، في حديث لـ"النشرة"، أنّ الجمعية تهتم بالتنسيق مع بلدية النبطية والهيئة الصحية الإسلامية ببث الوعي في المجتمع لابتعاد عنصر الشباب عن هذه الافة الفتاكة والتي تنشر كالسم في جسم الانسان لتقضي عليه، ولفت إلى أنّ الجمعية تقوم بدورات توعية وحملات إرشادية للطلاب والشباب والاهل في المدارس والثانويات، كما تقوم بإرسال المدمنين الى مركز وزارة الصحة في جويا لمعالجتهم وازالة السموم من جسمهم، ويرافق ذلك وجود طبيب ومرشد نفسي الى جانبه بهدف اعادته كمواطن سوي الى المجتمع بعد انتهاء فترة العلاج، وقال: "نقنع المدمن بالاقلاع عن الادمان بأساليب طبية ونفسية وعلمية وصحية، كما ان ألاهل يأتون الينا ويبلغوننا ان اولادهم يتعاطون المخدرات وهنا نقوم وبعد ارشادهم الى مخاطر الافة في مقر الجمعية عبر اختصاصيين بتحويلهم بعدها الى مركز جويا الصحي".

هي آفة المخدرات تفتك بالشباب في لبنان عمومًا، من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومواجهتها لا يمكن أن تكون سوى بخطط أمنية رادعة جنباً إلى جنب برامج توعوية وإرشادية تبقى هي بيت القصيد...