الدستور هو القانون الاعلى للبلاد، فهو الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وينظّم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص والواجبات، كما يكفل حقوق الافراد تجاه السلطة.

بالمقابل يشكل المواطنون بوحدتهم وتضامنهم الاداة اللازمة لتحقيق هذه الضمانة التي يكفلها الدستور.

فلا دستور دون وحدة وضمانة الشعب، ولا حقوق وضمانات دون كفالة الدستور.

اما في بعض الانظمة والدول، فهناك مبادئ دستورية عرفية، غير مكتوبة، تسمو على الدستور تعرف بالـ PRINCIPES SUPRA CONSTITUTIONNELS كـ"الميثاق الوطني" الذي توافق عليه اللبنانيون عند قيام الاستقلال والذي يعرف ايضاً بـ صيغة "1943".

فقد وزعت هذه الصيغة الرئاسات الثلاثة، رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء على الطوائف الثلاثة المارونية والشيعية والسنّية بحيث شكّل هذا الاتفاق غير المكتوب اتفاقاً كيانياً قائماً فيما بين اللبنانيين، فأي خلل قد يصيب هذه الصيغة الكيانية، خارج اجماع اللبنانيين، ومن ضمن ميثاق حكم جديد، يمكن ان يحدث خللاً بنيوياً في كيان الدولة ووحدة الشعب والوطن.

وقد تمّ احترام هذه الصيغة الكيانية من قبل جميع المكونات السياسية والطائفية والمذهبية منذ الاستقلال ولغاية يومنا هذا، بحيث اندرجت جميع التعديلات الدستورية، منذ قيام الاستقلال، تحت السقف الذي حدده هذا الميثاق، لا سيما التعديلات الدستورية التي نتجت عن وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.

فالتعديلات الدستورية التي تناولت الدستور اللبناني بموجب القانون رقم 18 تاريخ 21/9/1990 قد أضافت الى الدستور، ولأول مرة، مقدمة تشكل جزءاً لا يتجزأ منه، كرّست بموجبها الهوية العربية للبنان، مؤكدة بأنه "جمهورية ديمقراطية برلمانية"... يقوم النظام فيها "على مبدأ الفصل بين السلطات"... وبأن " الشعب هو مصدر هذه السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"... مضيفة في الفقرة الاخيرة منها ان "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".

وبالعودة الى محضر جلسة اقرار وثيقة الوفاق الوطني خلال العقد العادي الثاني من العام 1989 المنعقدة بتاريخ 5 تشرين الثاني 1989، نقرأ ان النواب اللبنانيين المجتمعين في المجلس آنذاك قد وصفوها بأنها "عقد وطني ملزم لنا سياسياً ومعنوياً، ونحن نوافق عليها كوثيقة سياسية لها مدلولاتها ومعانيها وأبعادها الدستورية...".

فقد تمحورت وثيقة الوفاق الوطني اذاً حول مسألة اساسية وجوهرية قامت عليها فلسفة الطائف الا وهي مبدأ العيش المشترك الذي يشكّل الضمانة الحقيقية لوحدة لبنان وسيادته واستقلاله. فقد كرّسته بموجب قواعد دستورية راسخة، بحيث أتت التعديلات الدستورية بعد الطائف لتجسّد مفهوم العيش المشترك الهادف الى تحقيق امرين اساسيين في الحياة السياسية اللبنانية: مبدأ المشاركة الفعلية لمختلف الطوائف في الحكم وادارة شؤون البلاد وصنع القرار السياسي، ومبدأ المناصفة الفعلية في التمثيل السياسي، اي المشاركة المتساوية في الحكم، واضعاً جانباً فكرة الديمقراطية العددية لمصلحة مبدأ ديمقراطية المشاركة.

وأتت قاعدة وحدة الهيئات الانتخابية لتكرس هذا الانصهار الوطني وفكرة العيش المشترك بارساءها قاعدة الهيئة الناخبة الموحدة، معتبرة ان عضو مجلس النواب المنتخب يمثل الامة جمعاء، وهذا ما نصّت عليه صراحة المادة 27 من الدستور.

بالمقابل، وفي السياق نفسه، أعطى اتفاق الطائف رئيس الجمهورية مركزاً مميزاً وموقعاً سامياً وضعه في قمة هرم السلطات الدستورية بجعله "رئيساً للدولة" و"رمزاً لوحدة الوطن".

فقد نصّت المادة 49 من الدستور على ان:

"رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدة وسلامة اراضيه".

نصّ المادة 49 رسم لرئيس الجمهورية دوراً اساسياً مانحاً اياه وحده مهمة السهر على احترام الدستور، أي الحؤول دون تجاوز اي سلطة لصلاحيتها او مخالفة احكام الدستور مما يحفظ عمل السلطات الدستورية في البلاد، فهو حامي الدستور ووحدة الدولة والساهر على صيغة العيش المشرك.

وحفاظاً على دور رئيس الجمهورية الوطني ورمزيته، وبهدف ابقائه على مسافة واحدة من الجميع، ولكي يلعب دور الحكم، اعفاه الدستور من اية مسؤولية تجاه مجلس النواب.

فقد نصّت المادة 60 من الدستور بأنه:

" لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته الا عند خرقه للدستور او في حال الخيانة العظمى".

كما جنّبه عبء المشاركة في التصويت عندما يترأس جلسات مجلس الوزراء. وهذا ما ورد في المادة 53 من الدستور المعدّلة بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 حيث نصّت على ان:

"يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء دون ان يشارك في التصويت".

أضف الى ذلك ان المادتين 49 و75 من الدستور قد كرّستا رئيس الجمهورية كـ "رئيس للدولة"، اضافة الى كونه رئيساً للجمهورية مع ما لهذا التوصيف من رمزية وطنية، حتى ولو لم تقترن هذه السلطة الشخصية الاضافية التي عليه وحده ممارستها بدون اي توقيع وزاري اضافي، بأي وسائل دستورية محددة في متن الدستور لممارستها كما هي الحال في المادة 16 من الدستور الفرنسي – دستور الجمهورية الخامسة (4 تشرين الاول 1958). لذلك يعود لشخص ومناقبية "رئيس الدولة"– رئيس الجمهورية اختيار الوسيلة المتاحة والتي يراها مناسبة لممارسة سلطاته الدستورية الوطنية التي نصّت عليها احكام المادة 49 الآنفة الذكر كونه الوحيد الذي يقسم امام البرلمان يمين الاخلاص للأمة والدستور.

فقد نصّت المادة 50 من الدستور على انه:

"عندما يقبض رئيس الجمهورية على زمام الحكم، عليه ان يحلف امام البرلمان يمين الاخلاص للأمة والدستور بالنصّ التالي:

"أحلف بالله العظيم على احترام دستور الامة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه".

ان الادوات التي تمكّن الرئيس من القيام بهذه المهمة الوطنية الكبيرة التي اقسم يمين الاخلاص للأمة والدستور على القيام بها، وبغياب الوسائل الدستورية اللازمة لذلك، هو شخصية الرئيس وهيبته وحكمته ونزاهته والثقة في شخصه ودوره وسلوكه الشخصي واقدامه وطريقة ممارسته للحكم واحترامه للمؤسسات والدولة، وخصوصاً لما يمثله على صعيد بيئته اولاً، وعلى صعيد الوطن ككل.

هذا ما يسمّى بالرئيس القوي التي تمكّنه هذه المقومات والمواصفات بأن ينقل موقع الرئاسة الى المقام الوطني الاول الذي يمكّنه من احترام قسمه بالاخلاص للأمة والدستور والحفاظ على استقلال لبناني ووحدته وسلامة اراضيه.

فمن الواضح اذاً، وعلى ضوء ما تقدم، ان الشغور في موقع الرئاسة الاولى هو ضرب لصيغة العيش المشترك وللميثاقية التي يقوم عليها نظام الحكم في لبنان.

اما بالعودة الى مجلس النواب الذي اناطت به المادة 49 من الدستور صلاحية انتخاب رئيس الجمهورية .

وعلى ضوء عدم انفاذه لهذا الواجب الوطني بامتياز لعلة عدم توفر النصاب المطلوب، أي أكثرية الثلثين بسبب تغيب عدد من النواب عن جلسات الانتخاب، ما يطرح مجدداً موضوع نصاب الحضور وأكثرية التصويت الواجب توافرها لانتخاب رئيس الجمهورية، كما موضوع المشاركة او التغيّب عن جلسات انتخاب الرئيس، او الاقتراع بورقة بيضاء.

فقد نصّت المادة 49 من الدستورعلى انه:

"ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي..."

وحيث ان الفقرة ج من مقدمة الدستور قد نصّت على ان "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحرية العامة...".

وحيث ان المادة 27 من الدستور نصّت على ان "عضو مجلس النواب يمثل الامة جمعاء ولا يجوز ان تربط وكالته بقيد او شرط من قبل منتخبيه".

وحيث ان عملية حضور جلسات مجلس النواب، كما عملية الاقتراع تدخل ضمن الممارسة الديمقراطية التي يعود للنائب، الذي يمثل الامة جمعاء، والذي لا تقيّد وكالته عنها اي قيد او شرط، ان يقرر، ومن ضمن الممارسة الديمقراطية، مصلحة هذه الامة التي يمثلها وترجمة هذه المصلحة اما بالحضور والاقتراع بالطريقة التي يراها مناسة او بالتغيّب عن الجلسة .

ان هذا الحق الذي هو حق مكرّس في النظام الديمقراطي البرلماني، يصبح واجب في حال جاء تغيّب النائب لمصلحة ناخبيه والامة جمعاء التي يمثلها، فكيف بالاحرى اذا كان تغيّبه هذا يهدف الى المحافظة على الدستور واحترام الميثاق الوطني.

فللنائب، وبمعرض قناعاته الوطنية، الحق السياسي المحض بموجب الدستور، بالتغيّب او المشاركة في جلسات مجلس النواب او التصويت بورقة بيضاء وفقاً لما يرتأيه، او تجنّباً للتسويات التي قد تتعارض مع الميثاقية التي يرتكز عليها النظام السياسي في لبنان، منعاً للاتيان برئيس يفتقر الى التمثيل الشعبي ولا تتوافر فيه المواصفات التي تخوّله القيام بمهامه المنصوص عنها في المادتين 49 و50 من الدستور.

فيمكن بالتالي ان تتحول المنافسة الانتخابية الى معركة نصاب في حال كانت العملية الانتخابية تهدف الى تزوير الارادة الشعبية.

ان عملية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، بعد تعديلات الطائف لم تعد عملية انتخاب عادية تقتصر على الاقتراع وتعداد الاصوات فقط، بل اصبحت عملية انتخابية ميثاقية بامتياز، خصوصاً ان المادة 49 الآنفة الذكر قد فرضت نصاباً خاصاً موصوفاً لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا ما أكدته صراحة هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل خلال اجتماعها المشترك المنعقد بتاريخ 5 ايار 1976 رداً على بعض الاصوات المطالبة آنذاك بتطبيق أحكام المادة 34 من الدستور التي تنصّ على نصاب حضور عادي بدلاً من نصاب ثلثي عدد اعضاء مجلس النواب.

فيكون بالتالي مجلس النواب قد أخذ في عين الاعتبار موقع رئاسة الجمهورية المميز بصفته "رئيس الدولة" ورمز وحدة الوطن الساهر على احترام الدستور واستقلال لبنان. فعملية انتخابه بأكثرية ثلثي اعضاء المجلس النيابي أقله حضوراً واقتراعاً في الدورة الاولى واقتراعاً في الدورات التي تلي هو اضفاء صفة تمثيلية واسعة منبثقة من ارادة نيابية بحجم هذا التمثيل، مما يشكّل تحصيناً دستورياً متيناً لموقع رئاسة الجمهورية.

مما يؤكد انه لا يمكن انعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يلتئم نصاب حضور يمثل ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً بحيث لا يصّح انعقاد جلسة انتخاب الرئيس بدون انعقاد دورة اقتراع اولى انفاذاً لنصّ المادة 49 من الدستور.

والجدير بالذكر هنا ان اللجنة المشتركة في مجلس النواب المؤلفة من هيئة مكتب المجلس ولجنة النظام الداخلي ولجنة الادارة والعدل قد أكّدت خلال انعقاد جلستها المشتركة بتاريخ 16 آب 1982 بأن عبارة الغالبية محسوبة على اساس عدد النواب الاحياء، حاضرين او متغيّبين، دون المتوفين تماشياً مع القرار الذي صوّت عليه مجلس النواب (الهيئة العامة) بتاريخ 29 ايار 1980.

ولكن، هل المجلس النيابي الحالي مؤهل من الناحية القانونية والدستورية، وخصوصاً من الناحية الميثاقية لانتخاب "رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن" بعد تمديدين مخالفين لأبسط الأسس القانونية والدستورية والميثاقية؟

ان قانون الانتخاب رقم 25/2008 التي أجريت على اساسه انتخابات العام 2009 النيابية، كان قد حدد ولاية اعضاء المجلس النيابي بأربع سنوات تنتهي بتاريخ 20/6/2013، ولأسباب لا تمت للواقع والقانون والدستور بأية صلة، وأمام هاجس عدم مواجهة الارادة الشعبية والتهرّب من المسؤولية، اجتمع نواب الامة وقاموا بتمديد ولاية المجلس النيابي لمدة سنة وخمسة أشهر تنتهي بتاريخ 20 تشرين الثاني 2014 (التمديد الاول).

ومن ثمّ مجدداً تمّ تمديد ولاية المجلس لفترة سنتين وسبعة أشهر تنتهي بتاريخ 20 حزيران 2017 (التمديد الثاني) مع الاستعجال بنشره والعمل به فور هذا النشر عملاً بأحكام المادة 56 من الدستور.

أقل ما يمكن القول بهذين التمديدين انهما مخالفين لأحكام الدستور والميثاق الوطني الذي يمثل ركيزة الحكم في لبنان.

فقد نصّت احكام المادة 32 من الدستور بأنه:

"يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين، فالعقد الاول يبتدىء يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر ايار، والعقد الثاني يبتدىء يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الاول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل أي عمل آخر وتدوم مدة العقد الى آخر السنة".

وحيث ان التمديد من قبل المجلس قد تمّ خلال العقد الثاني المخصص بموجب المادة 32 من الدستور للبحث بالموازنة والتصويت عليها قبل القيام بأي عمل آخر.

وحيث ان المجلس لم يقم بمناقشة او التصويت على موازنة خلال هذا العقد وخلال العشر سنوات السابقة!

وحيث انه وبالحالة هذه، لا يمكنه اقرار اي قانون خلال هذا العقد تحت طائلة اعتبار هذا القانون مخالفاً للدستور ولا سيما لأحكام المادة 32 منه.

مما يؤكد عدم دستورية قانون التمديد لهذه الناحية.

وحيث ان المادة 75 من الدستور تنصّ على:

"ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او أي عمل آخر".

بما معناه انه، وفي حال خلو سدة الرئاسة ، يجتمع مجلس النواب فوراً بحكم القانون (المادة 74 من الدستور) بصفته هيئة انتخابية، لانتخاب رئيس للجمهورية، ولا يحق له القيام بأي عمل آخر، ولا حتى مناقشة اي أمر آخر قبل انتخاب رئيس للبلاد، وخلال هذه الفترة يفقد صفته كهيئة اشتراعية ويتحول الى هيئة ناخبة بحكم الدستور.

وحيث انه، وبالحالة هذه ايضاً، وفي حال خلو سدة الرئاسة وتطبيق أحكام المادتين 74 و75 من الدستور ، يستحيل على المجلس النيابي اقرار اي قانون وخصوصاً قانون يمدد فيه لنفسه خلافاً لأحكام الدستور.

مما يؤكد عدم دستورية قانون التمديد لهذه الناحية ايضاً.

وحيث ان الفقرة ج من مقدمة الدستور تنصّ على ان:

" لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية...".

وحيث ان الفقرة د من مقدمة الدستور ايضاً تنصّ على ان:

" الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية".

وحيث ان المادة 24 من الدستور كما عدلت بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 تنصّ على انه:

"يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقاً لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء...

... توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:

أ - بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين

ب- نسبياً بين طوائف كل من الفئتين

ج- نسبياً بين المناطق..."

وحيث انه، وانفاذاً لما تقدم، يستمد النائب شرعيته من الشعب، مصدر السلطات لفترة حددها قانون الانتخابات رقم 25/2008 النافذ حالياً بـ 4 سنوات بحيث تسقط عند انتهائها حكماً شرعيته، فيصار عندئذٍ الى محاسبته من قبل ناخبيه. اما يصار الى انتخابه مجدداً واما تحجب عنه اصوات الناخبين، فيخرج من الندوة البرلمانية، وهكذا دواليك.

كون

دورية الانتخابات مبدأ دستوري بامتياز لا يجوز المسّ به.

وحيث ان المادة 24 من الدستور قد نصّت في فقرتها الثانية على انه:

"... توزّع المقاعد النيابية... بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين..."

وحيث ان هذه المادة التي تتكلم عن التمثيل الفعلي لشرائح المجتمع اللبناني وليس عن العددية، قد تمّ تعديلها بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 نتيجة لوثيقة الوفاق الوطني.

وحيث ان ان الهدف الاساسي لهذا التعديل هو المناصفة بين المسيحيين والمسلمين والمشاركة في الحكم بحيث تكون هذا المناصفة فعلية وليس بالشكل كما هو الحال منذ قيام دولة الطائف سنة 1990 ولا تزال، بحيث يشكّل هذا الوضع الشاذ انتهاكاً للميثاقية وللعيش المشترك.

وحيث ان المكوّن المسيحي الاساسي كان معارضاً لقانون التمديد للمجلس النيابي بحيث تقدّم بطعن ضد هذا القانون امام المجلس الدستوري الذي لم يجتمع في المرة الاولى خلافاً للقانون، لا سيما القانون رقم 250 تاريخ 14/7/1993 المعدّل بموجب القانون رقم 150 الصادر بتاريخ 30/10/1999 والقانون رقم 43 الصادر بتاريخ 3/11/2008 المتعلق بانشاء المجلس الدستوري والقانون رقم 243 تاريخ 7/8/2000 (قانون النظام الداخلي للمجلس الدستوري) والذي ردّ الطعن في المرة الثانية بعدما اعتبر ان "تمديد ولاية مجلس النواب يتعارض مع المبادىء التي نصّت عليها مقدمة الدستور ومع مفهوم الوكالة النيابية وفق المادة 27 من الدستور، وبعدما أكّد "ان دورية الانتخابات مبدأ دستوري لا يجوز المسّ به مطلقاً...!!!

لذلك، وبناءً لما تقدم، يكون مجلس النواب الحالي فاقداً للميثاقية أضافة الى افتقاده للشرعية والدستورية.

بناءً عليه، فأن عملية انتخاب الرئيس في الظروف الراهنة ليست بعملية انتخابية عادية تجري بصورة طبيعية.

فكيف لمجلس فاقد للشرعية والدستورية والميثاقية ان ينتخب "رمز وحدة الوطن" والساهر على "احترام الدستور" الذي، وفور انتهاء جلسة انتخابه، يحلف امام البرلمان يمين "الاخلاص للأمة والدستور" على "احترام دستور الامة اللبنانية وقوانينها".

لذلك، لا يمكن ان يقوم المجلس النيابي الحالي بانتخاب رئيس للجمهورية الا نتيجة اتفاق مسبق، وليس على الاطلاق بعملية انتخابية كلاسيكية تؤمّن نصاب الحضور وأكثرية الاقتراع يأتي بنتيجتها رئيس تنسحب عليه الشوائب الدستورية والشرعية والميثاقية التي تشوب المجلس النيابي الحالي.

فمن الواجب الوطني والدستوري اذاً المبادرة الى انتخاب رئيس للجمهورية متفق عليه تُجمع على انتخابه معظم شرائح الشعب اللبناني، من كافة الطوائف والمذاهب، مما يضفي عليه الشرعية والميثاقية التي يفتقدها المجلس، وليس الاتيان برئيس توافقي لا طعم له ولا لون، يشكّل امتداداً للحالة الشاذة التي يتخبّط بها المجلس النيابي حالياً.

لذلك، فأن الاصوات التي تنادي بالانتقال الى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية بعملية انتخابية عادية كلاسيكية، وبالظروف القائمة حالياً، وبوضع المجلس النيابي الشاذ من الناحية الدستورية والميثاقية، كأن شيئاً لم يكن، متهماً الآخرين بالتعطيل، انما يضرب بتصرفه هذا مجدداً الركائز الدستورية والميثاقية التي يقوم عليه الحكم في لبنان.

اما في حال عدم التوصل الى هكذا اتفاق يضفي الشرعية والميثاقية على الرئيس المنتخب، فالحل الوحيد هو الاحتكام الى الشعب مصدر السلطات والذهاب حالاً الى انتخابات نيابية على اساس قانون عصري يراعي التمثيل النسبي ويحقق سلامة التمثيل، ويؤمّن التوازن السياسي، يتمّ على اساسه انتخاب نواب يمثلون ناخبيهم ويتمتعون بوكالة قانونية تمثلهم وفقاً للميثاق ولأحكام القانون والدستور، فيكون بالتالي هذا المجلس المنتخب وفقاً للأصول مخوّل لانتخاب رئيس للجمهورية يمكنه ان يقسم، بكل راحة ضمير، يمين الاخلاص للأمة باحترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها... فيمكن عندئذٍ المبادرة الى اجراء الانتخابات الرئاسية بطريقة ديمقراطية كلاسيكية وفقاً لأحكام المادة 49 من الدستور.

لذلك، وبعد انقضاء أكثر من سنة وعشرة أشهر على خلو سدة الرئاسة الاولى، وفي حال عدم الاتفاق المسبق على انتخاب رئيس للجمهورية أي "رئيس البلاد" يمثل الشريحة الكبرى من الشعب اللبناني ليعيد الشرعية والميثاقية لمركز رئاسة الجمهورية، فأننا ندعو المجلس النيابي الى المبادرة فوراً الى تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، الممدد لنفسه اصلاً خلافاً للدستور .../...

لغاية تاريخ 20/6/2017، الى أقرب تاريخ ممكن، مع احترام مهلة الستين يوماً المنصوص عنها في المادة 43 من الدستور والمبادرة الى اجراء الانتخابات النيابية، كما حصل تماماً في العام 1992 عندما قام المجلس النيابي آنذاك بتعديل المادة 8 من قانون الانتخابات مقصّراً ولاية المجلس النيابي بحيث اعتبرها منتهية بتاريخ 15/10/1992 بدلاً من 31/12/1994 وأجريت انتخابات سنة 1992 النيابية نتيجة لهذا التعديل.

فلا نرى بالواقع، لا من الناحية القانونية، ولا من الناحية الدستورية، أي مانع او عائق امام القيام بهذا الاجراء الديمقراطي بامتياز خصوصاً اننا على ابواب انتخابات بلدية واختيارية ونيابية فرعية دعيت اليها الهيئات الناخبة مع كل ما يتطلب ذلك من جهوزية على كافة المستويات.

فلماذا اذاً الامعان في التهرّب من مواجهة ارادة الشعب اللبناني من قبل أشخاص يدّعون تمثيل هذا الشعب؟

* دكتور في الحقوق

عضو الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون