في الوقت الذي يتحول فيه "الحلم" الكردي إلى أمر واقع على الأرض السورية، من خلال الإعلان عن تشكيل المجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي في شمال البلاد، بدأت الأسئلة تطرح حول قدرة القوى الإقليمية المتصارعة على إسقاط هذا المشروع، خصوصاً أن "المصيبة" تجمعها، بسبب التداعيات المترتبة على أوضاعها الداخلية، لا سيما أن الفكرة قد تنتشر كالنار في الهشيم، كحال الأفكار والحركات الشيوعية والإشتراكية والقومية العربية والإسلامية، التي كانت طاغية قبل عشرات السنوات، ولكن ما الحل؟

في الساعات القليلة الماضية، لم تتأخر كل من سوريا و​إيران​ وتركيا والسعودية، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الإعلان عن موقفها من الخطوة الكرديّة، وحدها إسرائيل كانت سعيدة بهذا التحول الكبير على مستوى منطقة الشرق الأوسط، نظراً إلى أنه سيبرر وجودها كـ"دولة يهودية"، بعد أن تنمو الكيانات المذهبية والعرقية على نحو غير مسبوق، فهي كانت أول من رحّب ودعا إليها، بعد الإعلان الروسي عن سحب القوات الرئيسية من سوريا، وهي لم تكن بعيدة يوماً عن دعم الجماعات الكرديّة الإنفصالية، لا سيّما الجناح الذي يعبّر عنه اليوم رئيس الإقليم في العراق ​مسعود البرزاني​.

في هذا السياق، تشدد مصادر مطلعة على هذا الملف، عبر "النشرة"، على أن التداعيات لن تكون على أي من الدول الكبرى، سواء كانت ​روسيا​ أو ​الصين​ أو الولايات المتحدة الأميركية أو أي دولة أوروبية، بل على العكس من ذلك، الأمور سبتقى محصورة ضمن الدائرة الضيقة لمنطقة الشرق الأوسط، حيث الصراعات المذهبية والعرقية التي تجاوزت كل الحدود المعقولة، وتشير إلى أن المفارقة اللافتة هي أن كل القوى الإقليمية المتصارعة فيما بينها، تجد نفسها في الوقت الراهن في الخندق نفسه، أي رفض فكرة نشوء كيان فيدرالي جديد، نظراً إلى أن جميعها يعاني من أوضاع داخلية هشة على هذا الصعيد، وتضع المصادر على رأس قائمة المتضررين كلا من تركيا والسعودية وإيران، بالإضافة إلى سوريا المعني الأول في المرحلة الحالية، على إعتبار أن حجر الأساس وضع ضمن حدودها الجغرافية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، بحال نجاح المشروع الفيدرالي الكردي لن يكون هناك ما يمنع المناطق الكردية في تركيا من المطالبة بالحكم الذاتي، ولا المناطق الشرقية في السعودية من المطالبة بالأمر نفسه أو الإنفصال، بالإضافة إلى ذلك ستجد إيران نفسها أمام حملة واسعة لمواجهة مطالب أهالي الأهواز و​الأكراد​، خصوصاً أن تسليط الأضواء على هذه القضايا قائم منذ أشهر طويلة، لكن اليوم سيكون هناك تجربة سلكت طريقها من رحم المخاض الكبير الذي يعيشه الشرق الأوسط منذ سنوات، نتيجة النزاعات الداخلية ونمو الجماعات الإرهابية، بدعم غير محدود من قبل لاعبين إقليميين ودوليين معروفين، وبالتالي قد يدفع البعض ثمن اللعبة التي راهن عليها في سوريا قبل غيرها.

وفي حين تستبعد المصادر نفسها أن تحصل الخطوة الكردية على أي دعم من قبل أي جهة، بشكل علني ومباشر، تشير إلى أن فرص تطبيق النظام الذي تدعو إليه ستكون ضئيلة، خصوصاً إذا ما قامت الفيدرالية المطلوبة على أساس عرقي، نظراً إلى تواجد مجموعات كردية في مناطق بعيدة عن حدود الإقليم المعلن، بالإضافة إلى أن مدينة عفرين ستبقى جزيرة معزولة، إلا إذا كان الأكراد في طور إطلاق حملة عسكرية لربط المناطق المختلفة بين بعضها البعض، وتسأل: "من يضمن نجاحهم في تحقيق هذا الهدف في ظل معارضة أغلب القوى الإقليمية المعنية بالأزمة السورية؟"، وتضيف: "قد يكون التسرع في إعلان المشروع خطوة ناقصة ترتد عليهم سلباً في المستقبل أكثر من السابق".

وتلفت المصادر المطلعة إلى أن التفاهم بين واشنطن وموسكو على إتفاق إطلاق النار، الذي تبعه تصريح مسؤول في الخارجية عن خيار الفيدرالية في سوريا، دفع رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلى الذهاب مباشرة إلى العاصمة الإيرانية، للدعوة إلى عدم ترك اللاعبين الدوليين يقررون مصير المنطقة برمتها، ولا تستبعد أن يؤدي هذا الأمر إلى حصول تقارب بين طهران والرياض، في الأيام المقبلة، لتفادي الدخول في المجهول، وتؤكد بأن هذه الخطوة لا يمكن أن تمر مرور الكرام.

في المحصلة، لا يمكن أن يتحول "الحلم" الكردي إلى حقيقة من دون وجود دعم دولي له، الأمر المتوفر إلى حد ما في الوقت الراهن، ولكن هل ينجح في مقاومة إعتراضات اللاعبين الإقليميين، مستغلاً الخلافات فيما بينهم؟