يصادف هذا العام الذكرى المئوية، لاتفاقية مارك سايكس البريطاني، وجورج بيكو الفرنسي، حيث تقاسمت دولتيهما، العالم العربي، وتحديداً مشرقه، بعد انتصارهما في الحرب العالمية الأولى، وانهزام السلطنة العثمانية، التي عرفت في آخر عقودها ب "الرجل المريض"، ليحضر الى بلادنا رجل الاستعمار الذي مهّد عبر معاهدة "سايكس-بيكو"، في العام 1916، الى وعد أرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا، الذي اعطى اليهود حقاً بأنشاء "وطن قومي" لهم في فلسطين، وهو ما ليس قانوناً دولياً، وشرعة إنسانية، وحقوقاً وطنية وقومية لشعب يقيم على ارضه، ليقوم المستعمر البريطاني بمنحه ارضاً، كان اليهود يرّوجون، انها "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض"، وهكذا بدأ مطلع القرن العشرين بتقاسم ما سمي "الهلال الخطيب"، او ما يعرف "بسورية الطبيعة"، في وقت كان أبناء هذه المنطقة يطالبون بوحدتها الجغرافية والاقتصادية والسياسية، مع رحيل العثمانيين عنها، وقد تحالفوا مع الدول التي خاضت الحرب ضد الاتراك، كي يحرروا أراضيهم ويقيموا عليها "مملكة سوريا" بقيادة فيصل الأول.

لكن أحلام الوحدويين والاستقلاليين من أبناء بلاد الشام وما بين النهرين، كانت في مكان غير ما يخطط له المستعمرون لا متنا لتمزيقها، وتحقيق الحلم اليهودي التوراتي، بإقامة "إسرائيل" الكبرى، من "الفرات الى النيل"، والموعود بها "شعب الله المختار"، مكان "سوريا الكبرى"، فكانت المؤامرة الفرنسية -البريطانية، في تقسيم المشرق العربي، الى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، تبرر إقامة "دولة دينية لليهود"، لكن الوعي الوطني والشعور القومي، ودعوات الاستنهاض الوحدوي، افشلت النسخة الأولى لمشروع "سايكس – بيكو"، وكانت الثورة السورية الكبرى، والمؤتمر السوري الأول، والانتفاضات الشعبية لكل من سلطان باشا الأطرش، وصالح العلي وإبراهيم هنانو وادهم خنجر ورشيد الكيلاني، التي وقفت ضد التقسيم الاستعماري لسورية الطبيعية، فتم التعويض عن تجزئتها لدويلات طائفية ومذهبية، بأنشاء كيانات سياسية تفصل بينها حدود وهمية، فكانت "دولة لبنان الكبير" عام 1920، وسوريا الحالية، والعراق، وبقيت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، لتقديمها في العام 1948 الى "الدولة العبرية"، التي اقتطعت الأراضي وانشأت كيانها الغاصب، فشّردت الفلسطينيين بعد ارتكاب مجازر بحقهم، وكانت "دولة إسرائيل" التي كرسها قرار تقسيم فلسطين التي ضمت الضفة الغربية منها الى الأردن، بعد انشاء مملكته ومنحها للملك عبدالله الأول، وغزه الى مصر.

فما حصل قبل قرن، يتكرر لرسم جغرافية سياسية جديدة للمنطقة، هي النسخة الأولى لسايكس-بيكو، أي قيام دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، وهو ما تنبه له اليهودي المتأمرك برنار لويس، واصدر كتاباً يدعو فيه الى تقسيم المقسم، واستند اليه المحافظون الجدد في اميركا، وتبناه جورج بوش الابن، وهو إقامة "شرق أوسط كبير" يتطابق مع مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"، وما الحرب المشتعلة في سوريا والدعوة الى "فدرلتها"، كما هو العراق، الا لتقسيم المقسم، والذي كانت الحرب الاهلية في لبنان، نموذجها، لكن القوى الوطنية احبطته واسقطت معه مشروع "صهينته".

فاذا كنا قبل قرن، لا نعلم ماذا يخطط لامتنا وعالمنا العربي، وحصلت مؤامرة التقسيم، واليوم وبسبب تطور وسائل الاعلام، وكشف الاسرار والمخططات، علينا ان ندرك ما يخطط له اعداؤنا، ويقومون به، ويجدر بنا، عدم الوقوع في الخطأ نفسه، ومنع تكرار ما حصل قبل قرن.

انه الوعي للمؤامرة، وكيف نواجهها بخطة نظامية معاكسة، لا باقتتال اهلي، ولا بحروب طائفية ومذهبية، ولا بأشعال صراعات دينية.