يعتبر نجاح ​الجيش السوري​ مدعومًا من القوات الجوية الروسية بتحرير مدينة التاريخ والحضارة السورية تدمر نجاحاً استراتيجياً على الجبهتين العسكرية والسياسية.

فور اعلان قيادة الاركان في الجيش العربي السوري عن استعادة مدينة الاثار والحضارة المسكونة بعبق التاريخ تدمر الى حضن الدولة السورية، حتى بادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاتصال بالرئيس السوري بشار الاسد مهنئاً بهذا الانجاز التاريخي، واردف قائلا ان الدعم الروسي لسوريا مستمر دون انقطاع في حربها على الارهاب.

الرئيس السوري من جهته رد على نظيره الروسي شاكرًا له هذه اللفتة ومشاركته الفرحة، قائلاً ان عملية تحرير المدينة ما كانت لتنجح بل انها كانت تعتبر مستحيلة لولا الدعم الروسي الواضح والمستمر.

ماذا يعني تحرير تدمر؟

مما لا شك فيه ان نجاح الجيش السوري باستعادة السيطرة على المدينة وتحريرها بعد اشهر من سيطرة التنظيم الارهابي "داعش" عليها يعتبر حدثاً بالغ الاهمية لجهة انقلاب المعطيات من الناحيتين العسكرية والسياسية.

فمن الناحية العسكرية أولاً، تُعتبَر استعادة المدينة إنجازاً استراتيجيًا لناحية قطع سبل الامداد العسكري والبشري للتنظيمات الارهابية، خاصة في منطقة ريف حمص الشرقي، ما يسهل عملية تطهير باقي المناطق والبدء بعملية الفصل والتشتيت لمراكز تجمعات الارهاب، اضافة الى تضييق المساحات التي يمكن للارهابيين التحرك ضمنها.

والاهم من هذا وذاك هو اظهار القوة والتماسك والتصميم الذي يتمتع به الضباط والجنود السوريون بطرد الارهاب اينما وجد في كل سوريا واسقاط نظرية سوريا المفيدة والعمل لاسترجاع اي بقعة من بقاعها الى حضن الدولة مهما طال الزمن ومهما كانت التضحيات، وعدم الاستكانة والتسليم او التفريط بأي شبر من الجفرافيا السورية.

أما من الناحية السياسية، فقد جاء تحرير تدمر في وقت مثالي، خصوصاً ان الجميع يتحضر للجولة المقبلة من ​مفاوضات جنيف​ في النصف الثاني من شهر نيسان الجاري كما هو محدد، مترافقاً مع محاولات عدة لانتزاع تنازلات من الدولة السورية، انما النجاح للجيش السوري بتحرير المدينة ساهم بدون ادنى شك بشد عضد موقف الوفد الرسمي السوري المشارك في المفاوضات للتمسك بوجهة نظر الدولة السورية القاضي بضرورة اعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب والقضاء عليه.

تدمر سترأس وفد سوريا

من الامور البديهية في اي مفاوضات بين فريقين متصارعين أن تبقى الكلمة الفصل للميدان العسكري. بمعنى آخر، ان اي طرف يمتلك السيطرة على الارض عسكرياً يتحكم، وبشكل اوتوماتيكي، بزمام امور التفاوض السياسي، ما يؤهّله ليكون صاحب الكعب الاعلى والكلمة الفصل على طاولة المفاوضات، لان مساحات التفاوض بين طرف خاسر كالارهاب وبين طرف رابح كالدولة السورية تصبح ضيّقة، فاذا خسرت التنظيمات المسلحة السيطرة على الارض والمناطق لتصبح مطاردة هاربة تائهة، ماذا يبقى للتفاوض عليه؟ لذلك نقول ان هذا الانتصار الاستراتيجي للجيش العربي السوري باستعادة تدمر وضواحيها سيكون ورقة مهمّة تزيد من اوراق الضغط ورصيد الدولة السورية لاستعمالها في اي عملية تفاوض مقبلة ستؤدي الى نتائج ستكون لصالحها.

ولهذا ستكون تدمر الطبق الرئيسي على طاولة المفاوضات المقبلة، ولا غلو في القول انها سترأس وفد سوريا الى جنيف، ومن الضروري الانتباه انه يجب على الطرف المفاوض المقابل للوفد الرسمي السوري اتقان اللغة الارامية التي تفهمها تدمر، والا فان المفاوضات برمتها ستكون بمثابة لزوم ما لا يلزم، خصوصاً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار وربطنا خسارة تنظيم "داعش" واعوانه لبعض المناطق في العراق لصالح تقدم الجيش العراقي بمساعدة وغطاء من القوات الجوية الاميركية، فانه يقودنا الى امر بالغ الاهمية بوجود اتفاق اميركي-روسي على ضرورة انهاء ظاهرة الارهاب اقلّه قبل انتهاء الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الاميركي باراك أوباما، وهذا يعني مساعدة أميركية في العراق بالتوافق مع ايران ومساعدة روسية في سوريا بالتوافق مع اميركا.

حقيبة جون كيري

في زيارته الاخيرة لموسكو لمناقشة الوضع السوري بتفاصيله، هبط وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية جون كيري من الطائرة، متأبّطاً ملفات عدّة، ممسكاً بيده حقيبته البنية اللون، وذهب مباشرة للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استقبله ضاحكاً متوجهاً اليه بالسؤال: "ألهذا الحد الحالة الاقتصادية في بلادكم تثير القلق؟ والا لكنت سلمت حقيبتك وملفاتك لشخص مرافق!"، واردف بوتين قائلا: "يبدو ان الحقيبه تحتوي على اشياء مهمة للغاية!"

رد جون كيري على بوتين: "عندما تسنح الفرصة بعيدًا عن الصحافة وخلال اجتماعنا سوف تدرك ان مضمون الحقيبة اشياء تجلب لك السرور".

لا أدّعي معرفة الاشياء التي كانت تحتويها تلك الحقيبة التي تجلب السرور لبوتين، لكن بما ان الزيارة لموسكو سببها سوريا وتفاصيل ملفاتها، فان ما يسر الرئيس الروسي هو الموافقة على النظرية الروسية القاضية باطلاق اليد بالحرب على الارهاب والتعاون الاميركي الروسي دون الالتفات لرغبات حلفاء واشنطن في المنطقة، لا سيما الخليجية منها، لان خطر الارهاب بات تهديدا عالمياً.

بالتأكيد ان مضمون الحقيبة هو تسليم ​روسيا​ مفاتيح الحل في المنطقة الحليفة لسوريا قبل تحرير تدمر، ومن المؤكد ان الأخيرة عسكرياً وسياسياً بعد تحرير المدينة ليست كما كانت قبل عملية التحرير.