لن تكون الأوضاع على الساحتين السورية والإقليمية، بعد تحرير تدمر من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، شبيهة بتلك التي كانت سائدة قبل الإنتهاء من هذه المعركة الإستراتيجية، نظراً إلى حجم الأسئلة التي باتت تطرح بشكل علني، أبرزها عن وجهة القوات السورية بعد إستعادة السيطرة على هذه المدينة الأثرية، بالتزامن مع التحولات المفصلية القائمة على مستوى المنطقة والعالم.

هذه العملية، التي من الممكن القول أنها كانت "نظيفة"، فرضت تبدلاً واضحاً في المواقف الدولية، ظهر بشكل جلي من خلال تسارع المواقف المرحبة بالإنجاز السوري، بعد أيام قليلة على تنفيذ التنظيم الأخطر على مستوى الكرة الأرضية هجمات نوعية في قلب القارة الأوروبية، عبر إستهداف العاصمة البلجيكية بروكسل بهجمات دمويّة، الأمر الذي دفع بأغلب الحكومات الكبرى إلى الدعوة لتكثيف الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، لا سيما مع إرتفاع منسوب الخطر على نحو غير مسبوق.

من هذا المنطلق، تعتبر مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن ​الجيش السوري​ نجح في تحقيق إنتصار متعدد الجوانب، من المتوقع أن يستفيد منه على نحو كبير في المرحلة المقبلة، نظراً إلى تسليط الأضواء على هذه المعركة، بسبب الموقع الذي تحظى به تدمر على المستوى العالمي، على إعتبار أنها من أهم المواقع التراثية، وتشير إلى إرتفاع معنويات حكومة دمشق، التي أثبتت قدراتها على تبديل موازين القوى بشكل سريع، في وقت تخوض فيه مفاوضات مصيرية في العاصمة السويسرية جنيف.

وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه العملية العسكرية، أثبتت أن هذا الجيش لا يزال هو القوة البرية الأهم القادرة على هزيمة المنظمات الإرهابية على أرض الواقع، في وقت لم تنجح الفصائل المعارضة، بالرغم من كل الدعم الذي قدم لها، في تحقيق أي إنجاز يذكر، لا بل أن بعضها لم يستطع الصمود ساعات، لتجد البلدان الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، أن الأسلحة التي زودتها بها سقطت بيد "داعش" أو جبهة "النصرة".

من النتائج الأولية لهذا الإنتصار كانت الدعوة إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، على لسان مندوب سوريا في الأمم المتحدة ​بشار الجعفري​، بشرط التنسيق مع السلطات الرسميّة في دمشق، لا سيما بعد أن نجحت موسكو أمام الرأي العام العالمي في تأكيد دوافع تدخلها في الحرب بصورة مباشرة.

وتعتبر المصادر نفسها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستطيع اليوم القول أن قواته العسكرية ساهمت في حماية جزء مهم من التراث العالمي، لا بل أيضاً تعمل على تعزيز الأمن والإستقرار، في الشرق الأوسط وأوروبا، عبر إضعاف الجماعات الإرهابية بعد الإنتقادات التي كانت توجه لها، في وقت فشل التحالف الذي تقوده واشنطن في هذا الأمر، على الرغم من ولادته قبل أشهر من التحالف الآخر، لا بل أن الضربات الجوية الأميركية لم تمنع سقوط تدمر قبل أشهر، بعد أيام قليلة على إجتياح "داعش" الرمادي من جديد.

بالإضافة إلى ذلك، السيطرة على تدمر تفتح الباب أمام التقدم نحو معقل التنظيم في الرقة، بعد إستعادة السيطرة على تلك الموجودة في محافظة دير الزور، في وقت لا تزال فيه الولايات المتحدة عاجزة عن حسم موضوع مشاركتها في هذه المعركة، لا سيما في ظل مخاوف ​الأكراد​ من إنقلاب العشائر العربية عليهم، في حال توسيع رقعة عملياتهم العسكرية خارج حدود أراضيهم، مع العلم أن الفيدرالية التي أعلنوا عنها تشمل عاصمة "داعش" في سوريا.

في هذا السياق، تشير المصادر المطلعة إلى التحول في النظرة إلى الدولة السورية على المستوى الدولي، حيث تلعب المصالح دوراً أساسياً في تحديد السياسات، بعيداً عن المشاعر والرغبات، وتوضح أنه في السابق كان الهم الأساسي إسقاط الرئيس بشار الأسد، بغض النظر عن النتائج، لكن في الوقت الحالي لم يعد أحد يفكر إلا بالخطر الناجم من نمو الجماعات الإرهابية، لا سيما بعد توسع رقعة عملياتها نحو البلدان الأوروبية، وتضيف: "اليوم بات الحديث عن أن إسقاط الدولة لن تستفيد منه إلا المنظمات المتطرفة هو الطاغي، في وقت تعلن هذه الدول عن إحباط مجموعة كبيرة من العمليات منذ بداية العام الحالي، أبرزها 11 في ألمانيا وحدها، الأمر الذي سيدفعها حكماً إلى البحث عن مصالحها الأمنية، التي تتطلب التعاون مع الجانب الذي يمتلك بنكاً واسعاً من المعلومات، ما يعني أن الواجهة ستكون دمشق".

في المحصلة، يثبت الميدان السوري مرة جديدة أنه لا يزال هو المقرر الأول على المستوى السياسي، وبالتأكيد هو سيبقى الحاضر الأبرز على أي طاولة مفاوضات.