في بلدان العالم الديموقراطي، الذي ندّعي الإنتماء إليه، أو (من باب الإنصاف) كنّا ننتمي إليه فعلاً، تكون الأمور واضحة بالنسبة الى إنتخابات رئاسة الجمهورية ومعاركها. فهناك مرشحون معروفون، وهناك إثنان منهم تنحصر بهما المعركة. وهناك إستطلاعات رأي جدّية (خصوصاً كون الرئيس ينتخب عموما من الشعب مباشرة). أمّا عندنا فالوضع مختلف إختلافاً كبيراً.

بداية إن الدستور لا ينص على الترشح للرئاسة. فيمكن إنتخاب رئيس للجمهورية ليس إسمه وارداً بين المرشحين المعلنين. وللمناسبة: فإن التعديلات الدستورية التي سحبت معظم صلاحيات رئيس الجمهورية الأساسية منه »وأنعمت« بها - نظرياً - على مجلس الوزراء حوّلت الرئيس الى حَكَم »من دون صفّارة« كما قيل عن حق. لذلك نستغرب إقدام بعض المرشحين على الإعلان عن برنامج رئاسي. فصاحب البرنامج يكون ملزماً (أخلاقياً على الأقل) بتنفيذه. فكيف ينفذ من لا يملك أدوات التنفيذ؟!

نقول إن الوضع مختلف عندنا ليس فقط في الصلاحيات وآلية الترشح وكيفية الإنتخاب، بل أيضاً في الغموض الذي يحوط العملية الإنتخابية برمتها. فمن هو القادر على الجزم بمن يكون رئيساً للجمهورية باستثناء ليلى عبداللطيف التي أوصلت، حتى الآن، نصف دزينة من المرشحين الى سدة الرئاسة في دورة واحدة؟

أجل، من يستطيع أن يقف اليوم ليجزم بأنّ سليمان بك فرنجية سيكون الرئيس بالرغم من الأكثرية الواضحة التي يقول أصحابها أنهم يدعمونه؟! أو من يستطيع أن يجزم بأنّ الجنرال ميشال عون ذا الحيثية الكبيرة سيكون رئيساً للجمهورية؟!

وفي المقابل من يستطيع أن يجزم بأنّ جان عبيد لن يكون رئيساً؟ أو بأن جان قهوجي ورياض سلامة والعميد جورج خوري وزياد بارود لن يكون أحدهم رئيساً؟

إن هذا الغموض لم يكن قائماً قبل جمهورية الطائف. كان معروفاً في السابق أن الرئيس هو أحد إثنين »الشيخ الرئيس« بشارة الخوري أو المحامي إميل إده. ولاحقاً كميل شمعون أو حميد فرنجية. وفي ما بعد اللواء فؤاد شهاب أو العميد ريمون إده (الذي ترشح حفاظاً على الديموقراطية في منافسة محسومة لقائد الجيش المؤسس آنذاك). ثم شارل حلو كان شبه محسوم. وبعده كانت المعركة »عَ المنخار« بين سليمان فرنجية الجدّ والياس سركيس الذي حُسمت له في ما بعد عهد فرنجية، وكذلك الشهيد بشير الجميل، فالشقيق أمين الجميل.

أما في زمن الوصاية فكان تحصيلاً حاصلاً وصول من وصل.

وعندما استقرت الأوضاع لجمهورية الطائف فلم يعرف الرئيس إلاّ بعد إنتخابه كما حصل مع العماد ميشال سليمان بعد فراغ غير قصير. واليوم الفراغ استطال نحواً من سنتين، والرئيس الآتي لايزال مجهولاً. والمرشحون المجهولون - المعلنون كثر، والبلد في فراغ، والآتي أعظم.

ألا يستدعي هذا كله إعادة نظر في بعض الأنظمة والقوانين والصلاحيات، لتصبح المنافسة الرئاسية عندنا طبيعية؟!