بعد الأحداث الإرهابية التي تعرّضت لها فرنسا (شارلي اييدو والمتجر اليهودي) منذ عام ونيف، خاطب الإمام الخامنئي الشباب في الغرب وتأسّف لهذه الأحداث التي يذهب ضحيتها الأبرياء، وقال إن "الإرهاب اليوم هو الهم والألم المشترك بيننا وبينكم، لكن من الضروري أن تعرفوا أن القلق وانعدام الأمن الذي جرّبتموه من الأحداث الأخيرة يختلف اختلافَيْن أساسيين عن الآلام التي تحمّلتها شعوب العراق واليمن وسورية وأفغانستان طوال سنين متتالية؛ أولاً: العالم الإسلامي الآن ضحية الإرهاب بأبعاد أوسع بكثير، ثانياً: العنف كان مع الأسف مدعوماً على الدوام من قبَل بعض القوى الكبرى..".

تأتي حادثة بروكسل التي أوقعت أكثر من 30 قتيلا ونحو 300 جريح، كجزء من المسلسل الإرهابي التكفيري الذي حذّرت منه مصادر أمنية أوروبية منذ أكثر من عام (يقوم "داعش" بإعداد 400 انتحاري بهدف تنفيذ هجمات أوروبية بحسب وكالة اسوشيتد برس).

هذه الأعمال الإرهابية كانت محط اهتمام كبير لدى أميركا والدول الغربية، فأنشأت مراكز مختصة بشؤون الإرهاب، لمعالجة هذه الظاهرة، وعمدت إلى التنسيق الأمني فيما بينها، ومع ذلك نجد أن هذه الظاهرة آخذة في التنامي، والأسباب كثيرة، منها:

1- ازدواجية المعايير في المجتمع الغربي، وعلى رأسه أميركا، التي تعتبر مقاومة المحتل "الإسرائيلي" لفلسطين إرهاباً، فيما إبادة "إسرائيل" للشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه حق مشروع لها.

2- تباهي الدول الكبرى بالديمقراطية في بلادها، وفي الوقت ذاته تتعاون مع الدول العربية التي تمارس الدكتاتورية على شعوبها.

3- الدعم الغربي والأميركي للإرهاب التكفيري، إن لم نقل إنه من صنع أميركا، كما ورد في كتاب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هلاري كلينتون، وللتاريخ نذكر أن أول من ساهم في تشكيل "القاعدة" في أفغانسنتان هو الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، وبالتعاون مع السعودية، التي تتبنى الفكر التكفيري والحاضن الأساس له.

4- السياسية التي اعتمدها الرئيس الأميركي باراك أوباما في عدم الدخول في حروب مباشرة ضد الآخرين، واعتماده الحرب بالوكالة، والتي أدت إلى تعاظم قوة المجموعات التكفيرية، وإعلانها "الإمارة الإسلامية".

5- النظرة العنصرية لبعض الأحزاب اليمينية في فرنسا وألمانيا وغيرهما ضد الجاليات الإسلامية، والدعوة إلى طردها، والتي ساهمت في إيجاد المناخ المناسب لاحتضان الجاليات المسلمة للتكفيريين، وخير دليل على ذلك احتضان الانتحاريين في أحد أحياء بروكسل، وعدم اكتشافهم من قبَل الأجهزة الأمنية.

6- عجز المجتمع الدولي عن صياغة مفهوم دقيق ومتفق عليه بشأن هذه الظاهرة، بسبب تباين الخلفيات الإيديولوجية والمصلحية والمذهبية بالنسبة إلى الباحثين والمفكرين والسّاسة.

7- عدم صدقية دول التحالف الدولي في محاربة الإرهاب التكفيري، وهذا ما أكده الميدان في سورية والعراق.

إن سياسة أميركا والدول الغربية الكيل بمكيالين في الحرب على الإرهاب، وفي دعمه في آنٍ معاً، سوف تزيد من الأعمال الإرهابية، وستُبقي المجتمع الغربي في خوف دائم على المصير الذي ينتظره.

من هذه الزاوية يجب أن ننظر بأهمية بالغة إلى خطاب الإمام الخامنئي الذي توجّه به إلى الشباب الغربي ولم يوجّهه إلى زعمائه، لأنهم أساس هذه المشكلة، ولإدراكه أن هؤلاء الشباب يستطيعون أن يتلمسوا الحقائق، وأن يثوروا من أجل تغيير سياسات الحكام المبنية على المصالح المجردة من الأخلاق الإنسانية، للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تشكّل خطراً كبيراً عليهم.

ومن المفيد أيضاً أن يكون هذا الخطاب محفزاً لشعوب العالم الإسلامي لقراءة واقعهم من جديد، والتواصل مع الشباب الغربي، كي يتدارسوا المخاطر المشتركة للفكر التكفيري والسلوك الإجرامي لحامليه ، ويتفكروا في سياسات الأنظمة البائدة، والزعماء الذين لا يتورعون عن فعل أي شيء للحفاظ على مصالحهم.

هاني قاسم