في ظل التحولات القائمة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا والعراق بعد إعلان الأكراد عن الفيدرالية في شمال سوريا، كان من اللافت ذهاب قيادة "حركة أمل" إلى إطلاق تحذيرات كبيرة من هذا الخيار على الصعيد اللبناني، وصولاً إلى ما نقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن الإستعداد لحمل السلاح لمواجهة أي مشروع تقسيمي، من دون أن تتضح هوية الجهة المحلية التي من الممكن أن تقدم على مثل هذا الخيار.
بالنسبة إلى أوساط متابعة، فُهم، من خلال قراءة ما بين سطور رسائل "أمل"، أن المقصود هو التيار "الوطني الحر"، خصوصاً أن رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون كان قد أصدر موقفاً ملتبساً من هذا الطرح قبل أشهر، بالإضافة إلى أن طريقة طرحه الملفات، بعد التفاهم مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، باتت تأخذ طابعاً طائفياً، كان قد حذر منه بري عبر رفضه "الذمية السياسية"، ليزيد من تعقيد المشهد كلام رئيس الهيئة الشرعية في "حزب الله" الشيخ محمد يزبك، عن رفض العودة إلى "المارونية السياسية"، في ظل المعلومات المتداولة عن وجود إمتعاض لدى الحزب، من مواقف حليفه الإستراتيجي العماد عون.
وتشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أن هذا الأمر يعتبر من الخطوط الحمراء، لدى الثنائي الشيعي، وبالتالي لا يمكن القبول به مهما كان الثمن، بغض النظر عن الجهة التي قد تطرحه اليوم أم في المستقبل، نظراً إلى تداعياته الكبيرة على البلاد، وتدعو إلى عدم الإستهانة بالموقف الذي نقل عن رئيس المجلس النيابي، من دون أن يصدر أي نفي أو توضيح رسمي له.
في هذا السياق، يوضح عضو المكتب السياسي في الحركة محمد خواجة، في حديث لـ"النشرة"، أن لدى "أمل" موقفاً مبدئياً من هذا الملف، وهي عبرت عنه في مناسبات عدة، ويلفت إلى أنه بالنسبة لها أي طرح فيدرالي هو مشبوه يعبر عن تقسيم مقنع، ويلفت إلى أن هذا النظام السياسي وجد في الأصل من أجل جمع المجزأ لا العكس، ويعطي مثالاً على ذلك التجربتين في سويسرا والولايات المتحدة الأميركية، ويضيف: "حتى النجاح هنا جاء بعد حروب أهلية طويلة ومخاضات عسيرة".
ويلفت خواجة إلى أن التحذيرات المتكررة، التي صدرت عن مسؤولين في الحركة، نابعة من بعض الدعوات التي تتعالى، بين الحين والآخر، من هنا وهناك، والتي تعتبر أن الخروج من الواقع الحالي يكون عبر الذهاب إلى الفيدرالية، لكنه يسأل: "على أي أساس ستكون؟"، ويجيب: "إذا كانت طائفية ليس هناك من طائفة محصورة في مكان ما، وبحال كانت مناطقية فليس هناك من منطقة قادرة على أن تكون على هذا النحو"، ويحذر من أن تاريخ الفرز والجمع لم يكن إلا بالسكين والإحتراب.
في الجهة المقابلة، يؤكد عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب حكمت ديب، في حديث لـ"النشرة"، أن "الوطني الحر" غير معني بالتقسيم أو أي أمر يشبه ذلك، لكنه يلفت إلى أن هناك مشكلة بالممارسة مستمرة منذ نحو 25 سنة، أي بعد الإنتقال إلى مرحلة دستور الطائف، متعلقة بتهميش فئة واسعة من المواطنين هم المسيحيون، ويشير إلى أنه توالى على تهميشهم سلطة وصاية وشركاء محليون.
ويوضح ديب أن التيار يطلق منذ فترة صرخة لتصحيح هذا الخلل وتأمين المشاركة الحقيقة لكل أبناء الوطن، ويعتبر أن المدخل يكون عبر قانون إنتخابي يؤمن عدالة التمثيل والمشاركة ويلغي كل أشكال الغبن القائم بحق أي فئة، ويشدد على أن الميثاقية يجب أن تعلو أي شيء آخر حتى الدستور، ويعتبر أن هناك مساع لحرف القضية عبر الحديث عن التقسيم بهدف عدم تلبية المطالب المحقة، ويضيف: "بحال كانت النوايا طيبة تحل المشكلة من دون الذهاب نحو أمور تهديدية".
وفي حين يشدد خواجة على ضرورة تطوير النظام السياسي اللبناني، يرى أن ذلك لا يمكن أن يكون من خلال الفيدرالية بل ربما عبر اللامركزية الموسعة، ويشير إلى أن الخيار الأول أثبت فشله في المنطقة، والدليل الواقع القائم في العراق بعد أن كان دولة مركزية، ويؤكد أن كلامه ليس موجهاً ضد أي جهة محلية.
من وجهة نظر عضو المكتب السياسي في "أمل"، الفيدرالية تحتاج إلى ثقافة ديمقراطية واسعة لمنع الإقتتال في حال حصول أي خلاف بين مكوناتها، بالإضافة إلى قضاء عادل وذو سيف قاطع من أجل تشكيل محكمة عليا، ويعتبر أن هذا الأمر غير متوفر في الوقت الراهن، ويجزم بأن الأغلبية الساحقة من اللبنانيين مع بقاء لبنان موحد، ويضيف: "نحن متمسكون بوحدة لبنان وقاتلنا من أجل هذا الهدف".
بالنسبة إلى النائب ديب، الفيدرالية ليست كفراً بالله بل هي نظام سياسي معتمد في أرقى دول العالم، ويشير إلى أن القوتين العظمتين، أي الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية، يعتمدانها، وهي اعتمدت في العراق وستكون مطروحة في الكثير من دول الشرق الأوسط في المستقبل، ويوضح أن "الوطني الحر" لا يطالب بها لكن الكلام عنها لا يمكن أن يكون جريمة، ويشدد على وجوب تطبيق الدستور لجهة إعتماد اللامركزية الموسعة، التي من الممكن أن تكون حلاً لمشاكل كثيرة، خصوصاً أن المركزية الحادة تثبت فشلها يوماً بعد آخر.
وفي الوقت الذي يجدد فيه الدعوة إلى تطبيق ما نص عليه إتفاق الطائف في هذا المجال، بحيث تكون الحياة المشتركة مؤمنة ويأخذ كل صاحب حق حقه من دون إنتقاص من حقوق الأخرين، يسأل النائب ديب إن كان البعض يريد تطبيق ما هو سيء في هذا الإتفاق فقط دون غيره من البنود.
في المحصلة، ستبقى مخاوف الفيدرالية قائمة في لبنان، بالرغم من غياب أي تبنٍّ لها من الأفرقاء الأساسيين، في ظل محاولات تعميم هذا النظام على مستوى المنطقة، فهل سيخرج في المستقبل من يركب الموجة الدولية الإقليمية عبر تبنيها علناً؟