صدمنا رحيل نخلة العمارة العراقية العالمية زها حديد، المختلفة والفريدة وكأنها من عالم آخـر. هي عبقرية خاصة.. مبتكرة لحدّ الخيال.. كيف لا وهي أفضل مهندسة معمارية في العالم.. والسيدة الأولى في التاريخ الحديث التي اخترقت أساطين العمارة في العالم وجعلت من تصاميمها «مزارات» في العواصم الغربية.

كانت حديد المحاطة بفريق هندسي من 200 معماري وموظف، من رواد الحركة المعمارية المثيرة للجدل والمسماة بالتفكيكيـة، المُتخمة عادة بغرائبية الأشكال التصميمية والمتجاوزة «للتابوات» البصرية.

الخيال والمثالية اللذان ميّزا تصميماتها التي يدّعي البعض أنها غير قابلة للتنفيذ، سيما وأن أبنيتها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة، وقد فنّدت المعمارية عملياً اتهامات بعض النقاد بأنها مهندسة «قرطاس» أي يصعب تنفيذ تصميماتها، ولكن بعد اكتمال تشييد متحف العلوم في فولفسبيوج شمال ألمانيا، الذي افتتح في تشرين الثاني 2005، والذي يؤكد أن مقولة «مهندسة قرطاس» ليس إلا ادعاء كاذب من معماريين يعيشون مع الماضي، لأن كل الذي وضعته على شاشة كمبيوترها استطاع الآخرون تنفيذه.

لقد شبّهها البعض بـ مايكل انجلو العصر، فهي تساهم في خلق عالم أجمل بتصاميمها للأبنية وقطع الأثاث والمنحوتات المختلفة، وقد اتسمت أعمالها بالقلق واللااستقرار والامتداد إلى الفضاءات الخارجية بشكل يعكس الخلفية المحمدية الإسلامية لنشأتها حتى أن بعض النقاد ربط بين انسيابية وتجريدية أعمالها وبين انسيابية الخط العربي وتجريدية الزخارف المحمدية.

كما ارتبطت مقاربة حديد المعمارية بالاهتمام وتأكيد خصوصية المكان، وثقافته، وروح إنسانه كمفردة أساسية في عملية الخلق التكويني المؤسسة لعمارة جديدة، كان من ضمن مقوماتها تأويل وإعادة قراءة المنجز المعماري المحلي، ذلك المنجز، الذي تشكل عبر أزمنة طويلة، وإضافات مبدعة، تعاقب معماريون وبناة مبدعون على إثرائه وديمومته. إن فعالية التأويل، التي تبنّتها تلك المقاربة الخلاقة، وإعادة القراءة للموروث المعماري التي وسمت نشاط حديد التصميمي، كانا يجريان ضمن مستلزمات وقيم عمارة الحداثة، وهي التي ما فتئت أن أصبحت عنواناً من عناوين الممارسة المعمارية الحداثوية العالمية السائدة، وإحدى مرجعياتها النظرية. ولعل هذا الأمر، هو الذي يجعل من مقاربة حديد المعمارية أن ترتقي، لتكون حدثاً مهماً، ومؤثراً، واستثنائياً بأهميته، في الخطاب المعماري «السوراقي» والعربي والإقليمي والعالمي.

قال عنها أندرياس روبي: «مشاريع زهاء حديد تشبه سفن الفضاء تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، ليس فيها جزء عالٍ ولا سفلي، ولا وجه ولا ظهر، فهي مبانٍ في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زها حتى مرحلة التنفيذ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة».

هكذا هي زها حديد، المعمارية المعروفة التي باتت من رواد مدرسةٍ قائمة بذاتها، لا انتظامية، قائمة على التفكيك، وتعتبر أحد تجليات مفاهيم ما بعد الحداثة، المفاهيم القادرة، تبعاً لخصوصيتها المعوّمة، على استيلاد مقاربات جديدة ومتجددة.

زها حديد.. أي فراغ في الابتكار المعماري للدهشة والخيال والمتعة وحاجات الحياة سيحدثه غيابك؟