على وقع التطورات السورية الأخيرة، بعد تحرير ​الجيش السوري​ ‏وحلفائه مدينتي تدمر والقريتين، مقابل محاولات جبهة "النصرة" ‏الإرهابية، بالتعاون مع بعض الفصائل المسلحة التي تُصنف "معتدلة"، ‏تحريك جبهتي ريفي حلب واللاذقية، من خلال الهجوم على ​بلدة العيس​ ‏وتلتها، يقف الإتفاق الأميركي الروسي على الخطوط العريضة، الذي ‏تُرجم عبر إتفاق وقف إطلاق النار يشمل أغلب الجبهات التي كانت ‏ملتهبة، عند مفترق طرق، تبدو فيه كل الإحتمالات واردة مع ترجيح ‏بعضها على الآخر، من دون الذهاب إلى الحسم بأي شكل من الأشكال، ‏خصوصاً أن هذه الحرب شهدت على مدى سنواتها الخمس العديد من ‏التحولات الدراماتيكية.‏

في الساعات الأخيرة، تم الحديث بشكل مكثف عن نقل الجيش السوري ‏مجموعات كبيرة من قواته إلى الجبهة الشمالية، لحسم المعركة هناك، لا ‏سيما أنه كان يحقق إنتصارات مهمة في حلب وأريافها قبل الدخول في ‏الهدنة، التي أدت إلى التركيز على المناطق التي يسيطر عليها تنظيم ‏‏"داعش" الإرهابي، إلا أن إستمرار الخروقات من قبل المجموعات ‏المسلحة قد يبدل الأولويات، إلا إذا نجحت الرسائل الشديدة اللهجة في ‏تحقيق الهدف المطلوب منها.‏

من حيث المبدأ، لم تكن الفصائل السورية المعارضة لتشارك "النصرة"، ‏في هجماتها الأخيرة، لو لم تحصل على الضوء الأخضر من القوى ‏الإقليمية الداعمة لها، خصوصاً السعودية وتركيا، نظراً إلى أن أنقرة لا ‏تزال هي المقرر الرئيسي في الجبهة الشمالية، على الرغم من تقليص ‏هامش الحرية في التحرك في الفترة الأخيرة، أي بعد التوتر في العلاقة ‏مع ​روسيا​، لكن ماذا عن الموقف الأميركي مما يحصل؟

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التطورات ‏في جبهة حلب ستلعب دوراً أساسياً في حسم وجهة الأحداث على الساحة ‏السورية، لا سيما أنها قد تؤدي إلى إنهيار الإتفاق الأميركي الروسي. ‏وتلفت إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه حالياً يتعلق بمدى الرد السوري ‏على الخرق الحاصل: هل يكتفي بمعالجته أو يذهب إلى حسم المعركة ‏عسكرياً؟

من وجهة نظر هذه المصادر، الخيار الأول يعني أن على واشنطن العمل ‏على لجم حلفائها الإقليميين، لمنعهم من القضاء على تفاهمها مع موسكو، ‏الأمر الذي لا يريده الرئيسان الأميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير ‏بوتين، أما الخيار الثاني فهو يعني عودة المسار السياسي إلى النقطة ‏الصفر، وهو ما يصعب توقعه نظراً إلى التداعيات التي قد تترتب عليه، ‏في ظل نمو ظاهرة الإرهاب على المستوى العالمي، بالإضافة إلى إنفجار ‏أزمة النازحين، التي نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ‏إبتزاز الإتحاد الأوروبي لوضع حد لها.‏

بالنسبة إلى المصادر نفسها، واشنطن لا تريد خسارة الإتفاق مع روسيا، ‏لكن في الوقت نفسه لا ترغب بأن يصب في مصلحة الرئيس الأسد، ‏خصوصاً أن المفاوضات مع موسكو لم تصل إلى خواتيمها، وبالتالي هي ‏تفضل عدم تكرار مشاهد تحرير الجيش السوري وحلفائه مدينة تدمر ‏الآثرية، التي كانت مؤثرة في الرأي العام العالمي بسبب مكانتها ‏التاريخية، وكانت تتمنى لو أن هذا الأمر الإنجاز حصل على يد من يدور ‏في فلكها من الفصائل المسلحة، في حين أن موسكو مرتاحة إلى وضع ‏محورها الحالي، فهو نجح في قلب موازين القوى لصالحه قبل الهدنة، ‏ويعمل على تثبيت هذا الواقع بعدها من خلال العمليات التي تستهدف ‏مناطق إنتشار "داعش"، وهي لا تمانع إستمرار وقف إطلاق النار، لكنها ‏في الوقت عينه لا تمانع إنهياره في حال لم يلتزم الفريق الآخر به.‏

على هذا الصعيد، توضح المصادر المطلعة أنه بالنسبة إلى المحور ‏السوري الروسي الإيراني، المعركة مع "داعش" ليست هي الأولوية ‏على إعتبار عدم قدرة أي فريق على تحويل التنظيم الإرهابي إلى ورقة ‏سياسية، تستخدم في المستقبل القريب أو البعيد، وبالتالي يمكن تأجيل ‏المواجهة معه في حال تحريك الجبهات الأخرى، إلا أن تحرير المناطق ‏التي يسيطر عليها يعزز من الحضور على طاولة المفاوضات، التي من ‏المقرر أن تستأنف في جنيف في التاسع من الشهر الحالي، نظراً إلى أن ‏الميدان كان وسيبقى هو المقرر الأساس على كافة المستويات، وتضيف: ‏‏"من هنا رغبة واشنطن بأن تتزامن الهدنة مع عدم تحرك المحور المقابل ‏باتجاه معاقل داعش، بسبب طموحها بأن تكون هي المستفيد من تحريرها ‏عبر حلفائها".‏

في المحصلة، يتوقف على التطورات في جنيف وحلب مصير التفاهم ‏الأميركي الروسي، الذي على ما يبدو بات بحاجة إلى إعادة هيكلة أو ‏تدعيم، فهل تنجح موسكو وواشنطن في هذا الأمر أم تنهار المفاوضات ‏السياسية من جديد؟ ‏