من المثير للدهشة إجهاض أغلب المحاولات المضاءة في فضائنا الاعلامي في العالم العربي، تباغتنا بتقويض آمالنا لنغدو جميعاً مرضى وأصحاء، ذكوراً وإناثاً أسرى لفوضى الاستبداد الإعلامي المرعب.

لا شك في أن من أبرز عوامل النجاح، هو أن تشتري الرصانة ولا تبيعها، فبين حدود التمرد والانضباط يقبع السؤال، يكشح ضباب الأجوبة من فائض قيمة التنوع الذي أقامته قناة «المنار» منذ بدأت صورتها تدخل كل منزل في لبنان والعالم العربي .

وليس هنا أثرى من «المنار» في حضورها النصي وكثافتها الرمزية، فهي مرآة تجلٍّ، حققت مقاصدها المعرفية والقيمية، وغذّت الرؤية النضالية للمقاومة.

ولكن قبل الدخول في أسباب وعوامل حجب «المنار» على الـ «نايل سات» طرح المراقبون اسئلة جوهرية عن الصدفة التي تجمع بين قرار حجب القناة وزيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مصر؟ وعن العوامل التي ساهمت مساهمة فعالة في اعطاء السيسي هذه الجرعة من «الشجاعة» لاتخاذ هذا الموقف الوقح؟ وفي بعض هذه الاسئلة ارتكابات رؤى استبدادية وارتباكات عربان الخليج.

ندرك أن لا بلاد بلا اسئلة ومنفى وإلا فمَن تكُن انت أيها الاعرابي كي تملك حق حجبي من دائرة تفكيري وزراعة الشوك في واحة لساني وإغراقها بمطر أقاويل المذهبية؟

والذي يتظاهر دون معرفة الاسباب عن هذا الحجب المهين لمصر عبد الناصر كمن يصفّق لنفسه، أو كالذي يدخن في باب المكتبة بعيداً عنها، فيحرق الحروف في وجدانه، علّها تصعد سوداء من رأسه، وتكافح الصلع الذي يحتل هالة العقل المشعة.

في سوق الهرج والمرج وحدها كانت «المنار» استثناء والاستثناء هنا هو تحريض على الانتشار، مثلما الاختلاف جوهر المشابهة، في حين يحمل الآخر ضميراً متحجراً خارجاً من مختبر فتاوى تعجّ بالسموم والدخان، وقد وضع «الضمير» مأزقه دوماً خارج الاطار، لينأى به عن محوره الطبيعي، ومن ثم ينهمك بالبحث عنه كسديم في مرآة الأخلاق المتشظية الغبراء.

الافكار لا تولد إلا في رحم ثقافي متنوع ومضيء، تزوده بالطاقة مشيمة الإيمان بالقضية، وتشده الأصالة بحبل سرتها، فرضيات غير ملزمة للآخرين بل للمقاومين وحدهم. ولكن ماذا نفعل.. لو اكتشفنا ان «التعددية الثقافية والإعلامية» كذبة وحلم بعيد المنال؟

من الصحيح القول إن ساقَي الحرية ارتجفتا ساعة أسقطت الشركة المصرية للأقمار الصناعية «نايل سات» ورقة التوت مقابل حفنة من الدولارات.

وها هي «المنار» تقول للقيّمين على هذه الشركة: سأمنحكم «قبلة الحياة» لو أعدتم النظر في موضوع فأسكم الناشبة في عنق التعددية، فتضادّي وأياكم ليس انحطاطاً أو عداءً بل هو اغناءٌ للتنوع.. والتنوّع فقط.