كما كان متوقعاً عادت قضية الوزير السابق ​ميشال سماحة​ إلى واجهة المشهد السياسي اللبناني من جديد، بعد صدور الحكم عليه، عن محكمة التمييز العسكرية، ‏بالسجن 13 عاماً مع الأشغال الشاقة، من دون ‏أن يكون هناك رأي موحد بين المواطنين حولها: هل الرجل "مظلوم" أم ‏كان من المفترض أن تكون العقوبة مشددة أكثر؟

على مدى السنوات السابقة، كان هذا الملف "لغزاً" لدى فئة واسعة من ‏المتابعين، يعود موقفهم منه إلى إنتمائهم المسبق، فمن هو ضمن قوى ‏الثامن من آذار لم يصدق حتى الساعة "تورط" أحد أبرز وجوه فريقه ‏السياسي، في حين أن الفريق الآخر يعتبره "إرهابياً" من العيار الثقيل، ‏وبالتالي من المفترض أن يكون الإعدام مصيره لا أقل من ذلك، الأمر ‏الذي كان مادة سجال ومزايدة، خصوصاً بعد إستقالة وزير العدل أشرف ‏ريفي من الحكومة الحالية، لكن ما الذي حصل بعد موجة الإعتراضات ‏على الحكم السابق؟

من حيث المبدأ، طُرِحت علامات استفهام حول ما إذا كانت الحملات ‏السياسية هي التي ساهمت بالوصول إلى النتيجة النهائية، بعد أن وصلت ‏إلى حد المطالبة بإلغاء المحكمة العسكرية، قبل أن يعود وزير الداخلية ‏والبلديات ​نهاد المشنوق​، قبل ساعات من صدور الحكم، إلى الحديث عن ‏أنه سيكون "عادلاً"، في مؤشر يوحي بأن الإتفاق عليه تم مسبقاً، وهو ما ‏عبر عنه وكيل سماحة المحامي صخر الهاشم بوصفه "معلّبًا بين صفقة ‏وظالم".‏

إنطلاقاً من هذا الواقع، تكشف جولة سريعة على مواقع التواصل ‏الإجتماعي، بعد صدور الحكم، إستمرار إنقسام أراء اللبنانيين حول ‏القضية، لكن اللافت هو بروز وسمين يعكسان الصراع القائم داخل تيار ‏‏"المستقبل"، "القضاء على ميشال سماحة" و"شكراً ​أشرف ريفي​"، الذي ‏تُرجم من خلال إعتبار أنصار ريفي، الموجود في العاصمة السعودية ‏الرياض حالياً، أن مواقفه هي التي أعادت "تصويب" الأمور"، في حين ‏رأى أنصار رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، أن متابعته هذه ‏القضية بعيداً عن المزايدات والتصرفات الهوجاء هي السبب، مع العلم ‏أن الحديث عن "المزايدة" كان رد "الشيخ" الأول على إستقالة "اللواء" ‏من الحكومة، خلافاً لتوجهاته الصارمة في هذا المجال.‏

تحت الوسمين المذكورين، برزت التعليقات التي شددت على أن ‏‏"الإعدام" كان هو الحكم المطلوب بحق "الإرهابي"، لكن "الكحل" أفضل ‏من "العمى"، بالإضافة إلى التمنيات بأن يشمل في المستقبل "شركاء" ‏سماحة من اللبنانيين والسوريين، خصوصاً الرئيس السوري بشار الأسد، ‏من دون إهمال الحديث عن أن السجن هو مكان الوزير السابق الطبيعي، ‏بالإضافة إلى الحديث عن "إنتصار"، إلا أن اللافت هو عودة "الثقة" ‏بالقضاء العسكري، بعد أن كانت المطالبة واسعة بالغاء المحكمة ‏العسكرية، ما يؤكد "الإستنسابية" في المواقف، التي ظهرت عبر ‏التصويب عليها من قبل أركان قوى الثامن من آذار، بعد أن كانوا ‏يرفضون هذا الأمر بشكل مطلق.‏

في الضفة المقابلة، كانت مواقف جمهور قوى الثامن من آذار خجولة إلى ‏حد بعيد، لا بل البعض لم يتردد في الإعتراف بأن ما قام به سماحة ‏جريمة من المفترض أن يعاقب عليها، بعيداً عن رواية "الإستدراج" التي ‏كانت الورقة الأقوى في أيديهم، التي تطلبت من وجهة نظرهم إستدعاء ‏المخبر ميلاد كفوري إلى التحقيق، من أجل معرفة حقيقة ما حصل في ‏هذه القضية منذ البداية، لكن الإنتقادات الأساسية كانت إلى الأحكام ‏المخففة التي صدرت سابقاً في حق بعض الإرهابيين والعملاء، حيث ‏كانت الدعوات إلى إنزال العقوبات المشددة بمن لا يزال منهم تحت ‏المحاكمة، بعيداً عن لعبة التسويات المعروفة.‏

في هذا الإطار، برز الكلام عن أن الحكم الصادر سياسي بالدرجة ‏الأولى، بالإضافة إلى وضعه في إطار التسويات الرئاسية المنتظرة، من ‏دون إهمال دور وزير العدل المستقيل في قضية قادة المحاور في مدينة ‏طرابلس، الذين تم الإفراج عنهم تباعاً بالرغم من إرتكابهم جرائم فعلية ‏سقط فيها العشرات من الضحايا، ليتم التلميح إلى نظرية "صيف وشتاء ‏تحت سقف واحد".‏

على هامش الصراع حول هذا الملف، برزت بعض السجالات الأخرى ‏غير المرتبطة به، حيث عمد جمهور حزب "القوات اللبنانية" إلى التذكير ‏بدور سماحة يوم إعلان حل الحزب في السابق، عبر القول: "انحبسوا ‏هني وتحررت القوات"، مع العلم أن ذكرى صدور القرار الشهير عن ‏مجلس الوزراء تأتي بعد أيام قليلة، في حين تحدث البعض عن أن الأمين ‏العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، قد يعلن ثقته بالقضاء في الوقت ‏الذي يرفض فيه تسليم المطلوبين بجريمة إغتيال رئيس الحكومة السابق ‏رفيق الحريري، بالتزامن مع إستمرار الربط القديم الجديد بقضية ‏الإرهابي الموقوف أحمد الأسير.‏

في المحصلة، لم ينه الحكم الجديد "لغز" هذا الملف، ذي الأبعاد الأمنية ‏والسياسية والقضائية، لا بل زادها بعد الحديث عن تسوية حصلت لتشديد ‏العقوبة، وسط إنقسام حاد بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار ‏وأنصارهما، فهل أسدل ستار قضية سماحة أم أن تداعيات جديدة منتظرة ‏في الأيام المقبلة؟