خلال متابعتي زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لكل من كوبا والأرجنتين تذكرت أجواء «خريف البطريق» لماركيز. نعم تذكّرت بعض المشاهد الرمزية في تلك الرواية واكتشفت أن السياسة الدولية تتفوّق على خيال ذلك الروائي. فكل ما جاء في رواية «خريف البطريق» لا يصل الى غرابة الأحداث التي تابعناها في ترقب مليء بهواجس لا نهاية لها.

لقطتان توقفت عندهما: الأولى، محاولة أوباما أن يربِّت على كتف الرئيس الكوبي راؤول كاسترو في دلالة تعكس ديماغوجية البيت الأبيض في التعامل مع الآخرين، غير أن سرعة بديهية كاسترو في دفع يد أوباما تكشف أن الدول التي تحترم نفسها لا تسمح لنفسها بأن تكون تابعة، بل هي قادرة على حماية سيادتها واستقلالها، ويمكننا هنا النظر إلى الإهانة الكبيرة التي وجهها أوباما لحلفائه الأوروبيين وليس الخليجيين لأن هؤلاء لا اعتبار لهم في القاموس الأميركي بأنهم «ركاب مجاناً» يستفيدون من النظام العالمي الذي ترعاه الولايات المتحدة من غير إسهامهم فيه. وبطبيعة الحال لم يخرج الرئيس الأميركي عن «قواعد اللعبة في واشنطن».

اللقطة الثانية، الواقعية السحرية السياسية التي اتبعها أوباما في الأرجنتين، وهي التي أثارت الحيرة والاستغراب، كما في اللقطة الأولى.

فقد حاول سيد البيت الأبيض أن يُسحر الأرجنتينيين برقصه «التانغو» أثناء زيارته إلى «بوينس آيرس»، وسواء أكان الأمر مقصوداً أم أنه مخطط له، فإن أوباما أراد قبل أن يترك منصبه تغيير وجه أميركا اللاتينية تغييراً كاملاً مقارنة بما كانت عليه قبل سبعة أعوام، وقد أصبح للأرجنتين رئيس جديد ينتمي إلى «يمين الوسط» هو ماوريسيو ماكري. وثمة تكهنات متزايدة في الدوائر الدبلوماسية أنه بحلول كانون الثاني 2017، عندما يغادر أوباما السلطة، ربما تخضع الخريطة السياسية لأميركا اللاتينية لحكومات داعمة للاستثمار، وصديقة للولايات المتحدة.

ولعل هذه مفارقة، لأن أوباما، الذي اختار آسيا الوسطى كي تكون «محوراً» لسياسته الخارجية ضد الصين، فتح كوة في حديقته الخلفية وسيذكره التاريخ في ذلك، وسيكون عاراً تاريخياً، إذا أخفق الرئيس الأميركي المقبل، الذي سيرث منطقة أكثر صداقة مما ورثه أوباما، في مدّ جسور اقتصادية جديدة، بدلاً من أسوار عالية، لمصلحة كلا الطرفين.

هاتان اللقطتان كانتا الصورة التي كشفت الحد الفاصل بين عالمين: عالم كاسترو السيادي الذي يحصّن كوبا ويحميها. وعالم ماكري الذي يفتح الباب واسعاً أمام انهيارات مقبلة ولعل التظاهرات التي واجهت أوباما في الأرجنتين أفصحت عن أن رقصة «التانغو» لا تحتاج إلى ساحر بقدر حاجتها لتناغم متناسق بين شخصين متوازنين.

ولأن «التانغو» رقصة مليئة بالإيحاءات الحميمية، أما آن لأوباما أن يُوقف رقصة الموت في العالم؟