في مطلع شهر نيسان من كلّ عام، ينطلق موسم التبغ في ‏الجنوب، حيث يباشر المزارعون بأعمالهم المتعبة والمضنية منذ ‏ساعات الفجر الأولى حتى المساء، رغم أنّ هذه الزراعة تستمرّ ‏بالتراجع، بعدما باتت عاجزة عن سدّ رمق العيش أو حتى إعادة ‏أسعار الكلفة الزراعية.‏

وتُعَدّ زراعة التبغ، التي شكّلت خلال الاحتلال الإسرائيلي ‏للجنوب عنواناً للتمسّك بالأرض، زراعة بيتية يشارك فيها كلّ ‏أفراد العائلة، وهي لا تعطي أتعابها إلا بعد مرور أربعة عشر ‏شهراً، أي ريثما يتمّ تسليم المحصول إلى إدارة "الريجي"، التي ‏تشكّل لها هذه الزراعة أرباحاً باهظة كانت تعود بالفائدة إلى ‏خزينة الدولة.‏

ولأنّ مزارعي التبغ بالكاد يجنون أتعابهم السنوية من هذه ‏الزراعة التي بقيت أسعارها على ما هي عليه منذ سنوات(1)، ‏فإنّهم رفعوا الصوت، وقد زار لهذا الغرض وفدٌ من نقابة ‏مزارعي التبغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي تدخّل لدى ‏إدارة "الريجي" و​وزارة المال​، فكانت زيادة ألفي ليرة عن كلّ ‏كيلو، ليصبح سعر الكيلو الوسطي بين 13 و14 ألف ليرة.‏

وحتى بعد هذه الزيادة، لا تزال هذه الأسعار قليلة نسبة للمراحل ‏التي تمرّ بها الزراعة والأكلاف التي تتطلبها، في ضوء الارتفاع ‏الصاروخي للأسعار، بحسب ما يؤكد رئيس نقابة مزارعي التبغ ‏في الجنوب ونائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان حسن ‏فقيه، الذي يكشف لـ"النشرة" عن جولة ستقوم بها النقابة قريباً ‏على المرجعيات للمطالبة بالمزيد من الدعم، باعتبار أنّ أكلاف ‏الزراعة في ارتفاع مستمرّ.‏

ويلفت فقيه إلى أنّ هناك 16 ألف عائلة جنوبية تعتاش من زراعة ‏التبغ في الجنوب، مشيراً إلى أنّها تجاوزت السقف الذي كانت ‏وزارة المال قد حدّدته العام الماضي في ما يتعلق بإنتاج الجنوب ‏وحصرته بـ5 ملايين كيلوغرام فقط لا غير، ويطالب بزيادة ‏المساحة المزروعة بالتبغ في الجنوب ليعيش المزارع بكرامة، ‏ويقول: "نحن كنقابة لا نستطيع أن نزيد هذه المساحة ما لم نُعطَ ‏إذناً من الإدارة، لأنّ إدارة الريجي هي التي تتسلّم المحصول ‏سنويًا، وهذا أمرٌ مترابطٌ بين الحكومة ووزارة المال والإدارة، ‏فزراعة التبغ زراعة مدعومة".‏

وفي ما يتعلق بالرخص المعطاة للمزارعين، يذكّر فقيه بأنّ ‏النقابة طالبت بإعطاء المزارعين الفعليين رخصاً جديدة تسمح ‏لهم بالزراعة، على أن تُسحَب الرخص من كلّ من لا يواظب ‏على الزراعة لتُحصر فقط بمن يزرع بشكل حقيقي، وهو يؤكد ‏أنّ المزارعين في الجنوب لم يتراجعوا في إنتاجهم بل على ‏العكس من ذلك قاموا بتعزيزه، مطالباً بزيادة مليوني كيلوغرام ‏تطبيقاً لمقرّرات مجلس النواب الذي انعقد في بنت جبيل بعد ‏تحرير الجنوب وانسحاب إسرائيل وأقرّ إدخال مزارعي التبغ في ‏الضمان الاجتماعي، وهو أمرٌ لم يحصل أيضاً حتى الآن.‏

وفيما يشدّد فقيه على أنّ هذا الأمر ضروري اليوم أكثر من أيّ ‏وقتٍ مضى، يلفت إلى أنّ من مشاكل زراعة التبغ الأساسية عدم ‏وجود صندوق للتعويض على المزارعين عن الكوارث الطارئة ‏كالعدوان الإسرائيلي الذي شُنّ على لبنان في تموز 2006، أو ‏خطر القنابل العنقودية المزروعة على مساحات شاسعة جنوباً ‏والتي تعيق الزراعة في الأرض، خصوصًا أنّ هناك عشرات ‏آلاف الدونمات لم تنظَّف من القنابل حتى يومنا هذا. ‏

هي الصرخة نفسها تتكرّر كلّ عام. المزارعون يقولون أنّهم ‏يتعرّضون للإجحاف، ويرفعون الصوت لعلّهم يجدون من ‏يسمعهم أو يلتفت إليهم، ليبقى لسان حالهم واحداً. لو وجدوا ‏فرصة عمل أخرى يعتاشون منها بكرامة، لما قصّروا، وهنا بيت ‏القصيد.‏

(1)حصلت "النشرة" على جدول بمعدلات تكاليف زراعة الدونم الواحد من التبغ على ‏الشكل الآتي:‏

‏- أجرة حراثة: 100 ألف ليرة.‏

‏- صهريجا مياه: 50 ألف ليرة.‏

‏- 5 عمال للغل: 50 ألف ليرة للعامل الواحد.‏

‏- السقاية: 75 ألف ليرة. ‏

‏- أسمدة كيماوية: 100 ألف ليرة.‏

‏- دواء للعشب: عشرة آلاف ليرة.‏

‏- ضمان الدونم: 100 ألف ليرة.‏

‏- ضمان رخصة الدونم: 100 ألف ليرة.‏