لا يحتاج الإنسان في كل من العراق وسورية سوراقيا إلى عدسات من نوع خاص كي يلاحظ أن الأمور ليست على ما يُرام، قبل الاحتلال الأميركي وبعده، فطبيعة الأشياء غير مطمئنة، والكلام لم يعد بذي قيمة وغربان الشؤم مازالت تُحلّق في سمائنا منذُ أكثر من 13 عاماً. والتصرف لمواجهة تداعيات هذا الاحتلال يحتاج إلى أفعال حقيقية لا أقوال، ولو تكلمنا لألف سنة فلن تثمر الحروف، فالفعل هو السلاح الأمضى.

في ضوء ذلك مر يوم احتلال بغداد في 9 نيسان مروراً باهتاً إلا من بعض الكتّاب. ما يطرح السؤال عما هو الحل للخروج من لعنة تداعيات 13 سنة مرّت، ونظام الفدرلة الفاشل الذي وضعه هذا الاحتلال هو جزء من ويلات «سوراقيا». فهو مَن زرع التقسيم وبهذا المنطق يريد منا البعض أن نوافق عليه؟

أميركا التي ظهرت بالأمس، صارت ترسم التواريخ حسب ما تشتهيه، لكنه تاريخ سياسي دموي ملؤه الإجرام والعنجهية، وفي ثنايا هذا الظهور دوماً تأتي التساؤلات إلى مخيلتنا، وهي تبحث عن أجوبة مستحيلة ومستعصية لا نقدر أن نرضي فضولنا بها أو قد نكون أصبحنا ضمن حفنة المارقين فنخاف أن نشير إلى أحدهم بأظافر الاتهام، لأنها كبرت من إهمالنا ومعاناتنا وأصبحت على رأس أصابعنا وعندما نشير تكون أظافرنا منتصبة قبل أصابعنا. وهذا جزء من خيبتنا وفساد أرواحنا، فماذا يجعلنا نصبر على الاحتلال وأدواته الداخلية وتداعياته بعد 13 سنة، وعلى كل ما يدور حولنا، و«داعش» يقضم الأراضي والأرواح والسبايا والأعناق من دون أن يتمكن العراقيون من ردعه إلا بموافقات خارجية أميركية أو بريطانية أو حتى «إسرائيلية» أو تركية أو سعودية، رغم كوّة الضوء للجيش السوري؟

في اللحظات التاريخية العصيبة وفي المنعطفات والمنعرجات الحادة والمواقف المصيرية، لم يُنجب رحم العراق غير الخوف والهزيمة والخذلان، ولا صرخة مسموعة منه غير أنين دجلة وبكاء الفرات!

هذا العراق الذي عشش في دهاليزه الرعب والحروب، وتحكّمت فيه العقول الفاسدة، وابتلعت ثرواته الحيتان، وارتفع فيه منسوب الطائفية والعرقية برغم عويل الجراح الذي نخر جسده الحي. وحيث اشتركت جميعها من دون تمييز مستخدمة الطلاء والمساحيق التي تتستر بوبائها، بفعل شراهتها وبعدها عن كل ما يمت بصلة لمصالح الوطن والناس الحيوية، فهل يكفّ البعض عن اجترار التحليلات الفانتازية وبضائع الموتى، وتعويذة إلقاء اللوم على الآخر المحتل فقط، وهي شكلت بيئة خصبة له؟

فهل يستيقظ العراق من جديد ويستبدل رؤوسه المخجلة برؤوس مدنية وأحزاب علمانية ومشاريع غير معطوبة قبل أن يُعتبَر أنه خارج من سجن التاريخ!؟