وسط تداخل العديد من العوامل الإقليمية والدولية، بدأت على أرض ‏الواقع معارك وراثة تنظيم "داعش" الإرهابي في ​ريف حلب الشمالي​، ‏حيث المنطقة التي كانت تسعى ​الحكومة التركية​، في الفترة الأخيرة، إلى ‏الفوز بها، لتكون بمثابة جائزة ترضية لها على خسارتها مشروع الكامل، ‏نتيجة التحولات في الأزمة السورية، تحت عنوان "المنطقة الآمنة" التي ‏تحتاجها من أجل إعادة النازحين إليها.‏

في هذا السياق، كانت لافتة المواقف الأميركية الحديثة، التي تذكر ‏بتصريح وزير الخارجية جون كيري، في شهر آب من العام المنصرم ‏خلال لقائه نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، عن الإتفاق مع أنقرة ‏على تنفيذ عملية عسكرية برية مشتركة ضد "داعش" لتأمين الحدود مع ‏سوريا، عبر تدريب وتجهيز وحدات من المعارضة السورية "المعتدلة"، ‏بالتزامن مع تأمين الغطاء الجوي لها، فما الذي يحصل فعلياً في هذه ‏الرقعة الجغرافية؟

تشير مصادر متابعة لسير المعارك، عبر "النشرة"، إلى مجموعة من ‏التناقضات التي تسيطر على الواقع في ريف حلب الشمالي، أبرزها ‏الصراع بين حلفاء الولايات المتحدة على أحقية وراثة التنظيم الإرهابي ‏الأبرز على مستوى العالم، حيث تلفت إلى التناقض في المصالح بين ‏الجماعات الكردية، أي "​قوات سوريا الديمقراطية​" التي تسيطر عليها ‏‏"قوات حماية الشعب"، وتلك التركية التي تعبّر عنها الفصائل المدعومة ‏منذ بداية الحرب من قبلها، وتوضح أن أنقرة لا تزال تعتبر حتى الساعة ‏أن الخطر الأول والأخير عليها يأتي من إحتمال نشوء كيان كردي على ‏حدودها مع سوريا، وتؤكد أنها ستقدم على أي خطة تمنع تحقيق هذا ‏الهدف مهما كان الثمن، بالرغم من المشروع الفيدرالي الذي تم الإعلان ‏عنه مؤخراً.‏

وتوضح هذه المصادر أنّ الحكومة التركية تريد منع ​الأكراد​ من ربط ‏المناطق التي يسيطرون عليها، عبر خلق شريط عازل يمتد من جرابلس ‏إلى أعزاز، وتشير إلى أن هذه هي المنطقة التي تم الإتفاق مع واشنطن ‏منذ أشهر على القيام بعملية عسكرية برية مشتركة فيها، حيث سيكون ‏المطلوب تقديم مختلف أنواع الدعم، لا سيما المدفعي والجوي، إلى ‏فصائل تصنف "معتدلة" لتحريرها من سيطرة "داعش"، بالتزامن مع ‏منع القوات الكردية من التقدم نحوها، على إعتبار أن الأخيرة قد تلجأ إلى ‏إستخدام حجة وجود التنظيم الإرهابي لتوسيع رقعة سيطرتها الميدانية، ‏خصوصاً بعد أن عمدت إلى تطعيم قواتها بفصائل من خارج المكون ‏الكردي لمنع إستغلال هذا الأمر في تقليب المزاجات العرقية ضدها.‏

على هذا الصعيد، تضع المصادر نفسها المواجهات التي يشهدها ريف ‏حلب الشمالي، في الأيام الأخيرة، بعد أن سعت الفصائل "المعتدلة" إلى ‏التقدم نحو المناطق التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، إلا أنها تلفت ‏إلى أن "داعش" عمد، ليل السبت الأحد، الى القيام بخطوات إستباقية ‏كبيرة، من خلال إشعال كافة الجبهات من محاور عدة، بدءًا من مارع ‏وحتى غربي أعزاز، نجح من خلالها في السيطرة على قرى البل، الشيخ ‏ريح، تل الحصن، بريغيدة، غزل، جارز، قبل أن يتدخل الطيران ‏الأميركي وسلاح المدفعية التركي في المعركة لمنع تدهور الأوضاع، ما ‏ساعد تلك الفصائل على إستعادة السيطرة على البعض من تلك القرى.‏

من وجهة نظر المصادر المتابعة، "داعش" قد يكون في طور السعي إلى ‏القضاء على تلك الفصائل لحماية نفسه، بعد أن بات بين فكّي كمّاشة ‏الفصائل الكردية وتلك "المعتدلة"، بالرغم من الإختلاف في الأهداف بين ‏هذين النوعين من الفصائل، لكنها توضح أن الأكيد هو أن هناك رغبة ‏أميركية تركية في السيطرة على هذه المنطقة، على أن تتولى أنقرة إدارة ‏الأعمال فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا أنها تسأل عن الموقفين ‏الروسي والسوري من هذا التطور في ظل الأزمة القائمة بعد حادثة ‏إسقاط الطائرة؟

تعتبر هذه المصادر أن القوات الكردية قد تعيد حساباتها، في المرحلة ‏الراهنة، لا سيما أنها لا تستطيع أن تخالف التوجهات الأميركية، بسبب ‏التحالف القائم بين الجانبين، لكن الأوضاع لن تستمر على هذه الحال ‏لفترة طويلة، خصوصاً أن موسكو قد تعمد إلى إستغلال هذا الخلل حتى ‏اللحظة الأخيرة، إلا أنها في الوقت عينه لا تستطيع التصادم مع ‏واشنطن، على إعتبار أن هذه المعركة تخاض تحت عنوان مكافحة ‏الإرهاب، بالرغم من أن نتيجتها تصب في صالح أنقرة أولاً وأخيراً، في ‏حين أن دمشق ربما تكون متضررة من هذا الواقع في حال نجح ‏‏"المعتدلون" في السيطرة على مناطق "داعش"، مع العلم أن التجارب ‏السابقة لا تدعم هذا الإعتقاد، بل على العكس من ذلك، فشلوا في أكثر من ‏مناسبة في إثبات جدارتهم في هكذا مواجهات.‏

في المحصلة، هي معركة وراثة "داعش" أيضاً، التي تشمل مختلف ‏الأماكن التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، لكنها هذه المرة تبرز ‏التناقضات في المصالح والمخاوف من المستقبل بين حلفاء واشنطن ‏أنفسهم.‏