أربكت دمشق خصومها من خلال دفع الاستحقاق الانتخابي البرلماني إلى الواجهة وهي تدرك مقدار ردود الأفعال حيال هذه المفاجأة التي تتزامن والمفاجأة «الميدانية»، ولذلك ستتسم ردود الأفعال الإقليمية والدولية بالارتباك والتخبط. وبهذا المعنى يكون الرئيس بشار الأسد قد نجح بتسجيل أهداف في شباك معارضيه وداعميهم. فبدعوته إلى هذه الانتخابات أعطى إشارة واضحة على ثقة «النظام» بكون الانتخابات لا تشكل مشكلة لديه إطلاقاً. وفي الوقت نفسه، وضع الآخرين على المحك بعدما دعاهم للاحتكام إلى منطق «الديمقراطية» الذي لطالما تغنّوا بشعاراتها وتلاعبوا بها بمنتهى الانتهازية والنفاق لتبرير تدخلاتهم في الشأن السوري.

العلامة الفارقة في الاستحقاق الراهن، كان هذا التفاعل الشعبي الذي عمّ في أغلب المحافظات السورية، وهذا الكم من المرشحين 3500 ليأخذ منهم مقاعدهم 250 فائزاً منهم تحت قبة البرلمان.

كما سيعطي هذا الاستحقاق الانتخابي انتصاراً سياسياً جديداً، ودروساً لبعض الدول لطالما كانت تفتقر لأدنى أشكال الديمقراطية في بلدانهم كالسعودية وغيرها من الدول التي واكبتها في التآمر على سورية، وليدحض كل الشائعات التي روّجت لها هذه الدول بأن سورية عاجزة عن القيام بالانتخابات التشريعية في موعدها المحدّد.

فمَن تابع المشهد في الساحات السورية على امتدادها وهي تمتلئ باللافتات للمرشحين ويرصد آراء المواطنين الذين عبروا عن آمالهم وطموحاتهم بوصول من يستحق إلى البرلمان السوري يدرك أن سورية الآن تتحدّى الإرهاب والقتل. وهي لذلك بحاجة إلى نخبة من الشباب الفاعلين والتي تشكل فرصة مهمة لإثبات مقدرتهم على تحمل المسؤولية النيابية، كما تحملوها في الدفاع عن أرضهم في مواجهة الإرهاب. عبر المساهمة في تشريع قوانين تلبي طموحات مجتمعهم واحتياجاته ولذلك يحتاج السوريون عبر المشاركة في هذه الانتخابات لتحمل مسؤولياتهم عبر صناديق الانتخاب واختيار المرشح الأكفأ.

وبموجب الدستور، يمثل البرلمان السلطة التشريعية التي من واجبها التأكيد على علمنة الدولة والمواطنة، ورفضها للفدرلة واستعدادها لطرح دستور جديد للاستفتاء الشعبي.

ونختم هنا للتذكير أنه في العام 2110 قبل الميلاد أصدر ملك سومر المشرّع أورنمّو إصلاحاته الشهيرة التي تضمنت الوقوف في وجه فساد الطبقة السياسية، ونصّت على ما يلي: «منع الكهنة وكبار الموظفين من استغلال وظائفهم الدينية والحكومية لتحقيق السلطة والثراء على حساب الشعب»! فهل سيطالب البرلمان السوري الجديد بتطبيق إصلاحات هذا الملك السومري السوري وتفعيل قراراته؟

إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة تأكيد أننا سوريون ولسنا جماعات متناحرة… وفي وعينا حقيقتنا بدء تفعيل القوة التي تحفر التاريخ الجديد!